كان وجهي يَضج بالبشرى عند الحصول على نتيجة سلبية يوم الأحد 23 غشت 2020، وتمت عودتي للعمل في اليوم الموالي بنفس البُشرى، لكن سرعان ما تبدد هدا الفرح الذي ساهمت فيه عوامل أخرى أيضا، ذلك أنه في اليوم الموالي لهذا الإثنين، تلقيت مكالمة هاتفية من صديق عزيز كنت قد شربت بمعيته فنجان قهوة في أحد مقاهي سلا يوم الخميس 20 غشت 2020، وذلك بعد غياب طويل فرضته ظروف الحجر وبعد مقري عملنا.
أخبرني هذا الصديق أن تحليلته التي أجراها يوم الثلاثاء 25 غشت 2020 خرجت إيجابية ، وبالتالي دخلتُ أنا بدوري في خانة المخالطين له دون أن يَقصد هو ذلك أو أقصده أنا ..
هنا لفتني الهواجس والمخاوف، ونزلت علي أفكار سوداء مرعبة أخطر كثيرا مما كنت أنا أتوقع بها الأمور أثناء متابعة أخبار وفواجع الحالة الوبائية ببلادنا وعبر العالم ، ولم تعد تطمئنني كل الاحتياطات التي أقوم بها يوميا، ولا ح النتيجة السلبية ليوم الأحد الماضي ..
هذا الذهول الذي غمرني إمتزج بعدم تصديق مضمون المكالمة، خصوصا أنني أعرف أن هذا الصديق حريص جدا على التقيد بكل شروط الوقاية والتدابير الاحترازية، وحتى في جلستنا لإرتشاف القهوة لاحظت أنه نظف يده بالمعقم الكحولي أكثر من عشر مرات وأكثر من خمس مرات لما امتطى سيارته ..
مع ذلك، كم كان بودي أن أصرخ، أن أبكي وأسأل: كيف ؟ ولماذا؟
لقد تولد في داخلي الكثير من الشك ، وأيضا بعض الإيمان والتسليم بالأمر ، واختلطت عندي المشاعر المتناقضة …
استحضرتُ كل المقاومة التي في داخلي، والتي ما تزال تجعلني صامدا رغم الهزات تلو الهزات التي تعرضتُ لها في حياتي ..
وقُلتُ لنفسي اسْتَقِم يا هذا ، وهَوِن عليك من هول هذه “الفاجعة” ، فما زال في الدرب مُتسع للمقاومة، وتذكر كل نظريات التفاؤل الثوري التي تُؤمن بها ، واعلم أنه ما دمتَ تُقارِب قضايا المجتمع بالتحليل العلمي، فحتى إن وقعتِ الواقعة، ليس من الضروري أن يُسيطر عليك كل هذا الظلام وتُفقد توازنك، فما عليك الآن إلا أن تتماسك ..
ولكن هيهات …
كل هذا لم ينفع، ولم يخفف من روعي…
كم كان قاس الشعور بأنك قد تكون سببا في إيذاء العديد من الأحبة دون سبق الاصرار والقصد، ويسيطر عليك هذا الشعور، وتُفكر فيهم أكثر مما تفكر في نفسك…
يقف على بالي الكاتب والروائي أرنست همنغواي مذكرا إياي بأن الشمسُ تُشرق من جديد…
لم أهدأ برغم كل هذا، وأخطر إحساس كان يخنقني هو أن أكون سببا في نقل عدوى هذا الفيروس القاتل إلى أحبة لي أعزهم، والذين ألتقيهم وأرافقهم منذ زمن بعيد…
أفكر في زوجتي وابنتي وإبني، في الاسرة التي كبرت، والتقيت كل افرادها ، أفكر في أمي أطال الله عمرها ، وعائلتي التي زرتها بأزرو يوم السبت الماضي، وبعض رفاق لي قضينا معا مرحلة الاعتقال السياسي في ثمانينيات القرن الماضي، والذين التقيتهم بدورهم بأزرو، أفكر كذلك في رفيقين عزيزين توطدت علاقتي معهما حد الأخوة، وفِي صديق ورفيق آخر لم ألتقيه منذ أكثر من 6 أشهر ، وتناولنا القهوة معا يوم الثلاثاء ولم أكن أعلم بعد بالأمر، رفيقان آخران هما زميلين في العمل التقيتهما يومي الاثنين والثلاثاء، أصدقاء زرتهما بمحل عملهما في منطق باب الأحد بالرباط، ويعلم الله كم من راكب كان في الترام الذي أستقله يوميا بين سلا والرباط!!!
كل هؤلاء، والذين التقوا هم بهم، صاروا في عداد المخالطين المحتملين لا قدر الله….
كم هو مؤلم ومفجع هذا الإحساس، وكم هو قاس على القلب والعقل…
كم هو حقير وقاتل هذا الفيروس اللعين، كيف حول مصطلح “الإيجابي” في التحليلة، ليصير معناه قبيحا إلى هذا الحد ، ويتناقض التفسير مع الوارد في كل المعاجم واللغات ..
عقلي وقلبي يفكران كذلك في الصديق نفسه، في أسرته الصغيرة وأطفاله الصغار ، وفِي عجزي على أن أقدم شيئا ..
ألهذا الحد صرنا نحن مجرد أرقام :
Recherche de l’ARN du COVI D 19 par RT-PCR
Edition du 23/08/2020
Conclusion : Recherche Négative
أما لحظة انتظار النتيجة الثانية ، فتلك فاجعة حقيقية وأكثر قساوة ..
تستقر النفس هنيهات هنيهات، عندما تطلع عيناك على مثل هذه النتيجة وأنت في المختبر تتوصل بها :
Recherche de l’ARN du COVID 19 par RT-PCR
Edition du 28/08/2020
Conclusion : Recherche Négative
ما أقبح هذه الكورونا وما ألعنها …
وحتى لا تعيشوا أنتم أيضا أحبتي مثل هذه الكوابيس التي عشتها وأثرت في ، أحثكم على المزيد من الحيطة والحذر ، واحترام تعليمات السلطات الصحية:(الكمامة وقاية، غسل اليدين باستمرار وتعقيمهما وقاية، التباعد الجسدي وقاية .. )، وذلك في انتظار اللقاح ..
المصدر : https://www.safinow.com/?p=10273
عذراً التعليقات مغلقة