تعتبر القهوة اليوم من المشروبات العالمية، إلا أن تاريخها حافل بدعاوى وفتاوى تحريم شربها وتجارتها، والأغرب أنه في مرحلة معينة سابقا فرضت عقوبة الإعدام على كل من يشربها.
لقد كان ظهور وانتشار القهوة في البلاد الإسلامية، استثنائيا بالمقارنة مع المشروبات الأخرى من قبيل الشاي، مما خلف نتاج ثقافيا واجتماعيا غني، وذلك لما أثاره تعاطيها من نقاش أسفر عن صدور عدة فتاوى وتداول مجموعة من الرسائل حول حلة أو حرمة شربها وتداولها.
وهذه غرائب القصة الكاملة لتاريخ القهوة.
كانت البداية في القرن السادس عشر ميلادي، بشبه الجزيرة العربية، وبالضبط في مكة، من هنا انطلقت أولى شرارات النقاش حول تحريم شرب القهوة، ففي إحدى الليالي سنة ١٥١١ وبينما كان “خاير بك” ناضر الحسبة متجها إلى منزله، صادف في طريقه مجموعة من الأشخاص جالسين يحتفلون ويتعاطون شرابا أسود غريب، فسأل عن الشراب، ليكون الجواب كالتالي: “هذا شراب اتخذ في هذا الزمان وسمي القهوة، يطبخ من قشر حب يأتي من بلاد اليمن يقال له البن…” ، ليبدأ التفاعل بين مؤيد ومعارض في وقت واحد تقريبا في القاهرة ودمشق ومكة، وهذا بسبب المراسلات بين العلماء والسلاطين أنداك، مما أسفر عن تجاذب ديني واجتماعي وسياسي غير مألوف بخصوص تحليل أو تحريم هذا المشروب الجديد.
ففي مكة التي تعتبر نقطة البداية، أعلن خاير بك (الوصي على أخلاق المجتمع) في تلك السنة عن قرار منع تعاطي القهوة، وذلك بعد التشاور مع الفقهاء وأطباء ذلك الزمن الذين اعتقدوا بضررها وبكونها دخيلة على المجتمع، أما في القاهرة فقد أفتى قاضي القضاة “الشحنة الحلبي” بتحريمها، وفي دمشق أمر السلطان سليمان القانوني سنة ١٥٤٥م بإبطالها، وهذا بعد مطالبة مجموعة من الفقهاء والقضاة باتخاذ قرار رسمي يمنع ويحرم تعاطيها لأنهم كانوا يعتقدون بأنها مسكرة مثلها مثل الخمر، وبتهديدها للاستقرار وجلبها للفساد.
ولكن كل هذا المنع والتحريم لم يستطع وقف تعاطي وانتشار المقاهي، فالقهوة قد وجدت مجموعة من المؤيدين للدفاع عنها، وفي أواخر القرن السادس عشر بدأت تنتشر المقاهي وأخذ العلماء والشعراء من أنصارها في ارتيادها والإبداع والتغني بها في أشعارهم.
وقد استمر الخلاف حول تحريمها من عدمه لعدة قرون، مخلفا العديد من الرسائل والفتاوى وحتى قصائد المدح والهجاء بين المؤيد والمعارض.
ويعد القرن السابع عشر من أغرب الفترات في تاريخ تحريم القهوة، حيث أصدر السلطان العثماني مراد الرابع أمره بإعدام كل من تم ضبطه يرتاد بيوتها أو يحتسيها، وذلك بدعوى تهديدها لأمن واستقرار الحكم، للاعتقاد في أنها ترفع من حدة الكراهية، وبيوتها تشكل مكان لتأمر وحبك الدسائس ضد السلطان، ولهذا فقد تحدث بعض المؤرخين عن كون السلطان مراد الرابع قد كان يتجول متنكرا في شوارع القسطنطينية خصيصا لتنفيذ أحكام الإعدام على من يخالف قرار منع البن.
المصدر: كتاب “من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي” محمد م. الأرناؤوط. جداول للنشر والتوزيع – بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، أذار / مارس 2012.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=10820
عذراً التعليقات مغلقة