حسن البصري**لم يعد حب النادي والولاء للونه شرطا للانضمام إلى مكتبه المسير، وعدوى الترحال لم تعد حكرا على ملاعب السياسة، بل انتقلت إلى المشهد الرياضي، وأصبح المسير جزءا من بضاعة وسطاء الكرة التي لا تبور.
في المعبر الحدودي الفاصل بين الرجاويين والوداديين تراشق بحجارة من سجيل، بسبب تلون مسير أخضر وانضمامه إلى البيت الودادي. كتائب منصات التواصل الاجتماعي سارعت إلى الانتشار في مناطق مزروعة بالألغام، وشرعت في فضح تلونه وقدرته على خرق الحجر الصحي، واستعداده للأكل على كل الموائد.
في عالم كرة القدم، يمكن أن تقبل انتقال لاعب من فريق إلى غريمه، أو مدرب من ناد إلى جاره المقلق، أو طبيب يعالج العدو والصديق، لكن أن يستيقظ مسؤول ويقرر اعتناق مذهب كروي آخر، فهذا رجس من عمل السياسة التي كانت تبيح لأهلها حق تغيير الجلد الإيديولوجي وزرع الشعر لركوب صهوة لائحة الشباب.
في أنديتنا التي تقطر تقاريرها المالية بدموع الخصاص، هناك مبدأ لا محيد عنه: «لا رئيس إلا ما تقتضيه الأحوال»، وفي رواية أخرى، «لا قائم على شأن فريق إلا إذا كانت جيوبه عامرة، كأنه ينفق من ريع لا ينضب». لأن الرئيس اليوم يختلف عن رئيس زمن بالأبيض والأسود، فالنية الصالحة لا تكفي وحضور الحصص التدريبية والمباريات والصراخ في الاجتماعات أصبح من اختصاص الميليشيات، فيما مسير اليوم له نمط حياة مختلف ينام إلى منتصف النهار ويسهر طوال الليل، وبين هذا وذاك يحرض العلبة الصوتية لهاتفه على الفضوليين.
الآن يستعد وسطاء الكرة لاقتناء «فيترينة» يوضع فيها كل مسير قابل للترويج، ولكي يستقطب الباحثين عن رئيس يمكنه مع ضوء خافت وموسيقى هادئة تجلب حتى السائحين الذين يعشقون التحف، عندما يتعلق الأمر برئيس أكل عليه الدهر و«عطش»، له قدرة فائقة على التحمل وعند قدميه شهادة المصادقة بالإجماع على تقرير مالي سابق وشهادة حسن السيرة وشهادة سلبية مسلمة من مختبر للأوبئة.
مع اقتراب موسم الانتخابات التشريعية والجماعية والمهنية، يركض السياسيون نحو الكرة، يهرولون في ملاعبها، ويوزعون أقراصا مطمئنة ومقدم مهر وقمصانا بألوان أحزابهم تنتهي صلاحيتها بعد انتهاء الحملة، ولأنه أطرش في زفة الرياضة فإن الكرة سقطت مغمى عنها من برنامجه الانتخابي، الذي لا يختلف عن برامج جمعية للقروض الصغرى.
كثير من الرؤساء قضوا فترة تمرين في فرق أخرى، قبل أن يتوصلوا بقرار تعيينهم على رأس فرق لا تربطهم بها آصرة الدم والأرض والقلب، ففي سجلات الكرة المغربية عشرات المسيرين الذين تعاقبوا على تسيير أكثر من فريق واستعاروا أكثر من خطاب، وفي دواليب بيوتهم عشرات أربطة العنق مختلفة الألوان، لكن لا يطالبهم أحد باختبار الحمض النووي، لمعرفة «الأدي إن»، ولا يدعوهم برلمان الفريق لجلسة الأسئلة الشفوية، لكن حين تدخل بيوتهم صحفيا تخرج منها خبرا.
الفرق الصغيرة كالأحزاب الصغيرة، الأولى تنشط البطولات وتتزحلق كما يتزحلق الأطفال من مرتفع مهمل، والثانية تنشط الاستحقاقات السياسية وتمنح للكبار فرصة تحقيق أمنية العمر، وللشباب لحظة لاجتياز تمرين سياسي تتعلم فيه قاعدة التدبير الجديدة «ساعة لربك وساعة لناديك».
هناك خطأ شائع يردده المهووسون بالكرة، حين يضيفون لاسم مرشح صفة «رئيس المرحلة»، وكأن لكل مرحلة رئيسها، وبين الفينة والأخرى يسوقون للرأي العام حكاية القرار الفوقي الذي لا يعلى عليه، لتبرير اختيار تنبعث منه رائحة الزبونية.
نحن على أعتاب سنة جديدة، تتوحد فيها الأماني ونطل من شرفتها على عام آخر خال من الفيروسات وسلالاتها، وخال أيضا من مسيرين متحولين يريدون صحافيا مخصيا، ومنجمين على المقاس ومحللين يمسحون النكبات في مدرب وطني أعزل.
صدق من قال إن الرياضة هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ، لكنها تشبه الأولى إلى حد كبير.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=12584
عذراً التعليقات مغلقة