بداية لابد من التأكيد على أن أسباب الكتابة في هذا الموضوع، لا يُعتبر تدخلا في شؤون الفريق، ولا مشاركة في التموقع مع هذا الطرف ضد الآخر، فقد آليتُ على نفسي ومنذ مدة أن أبتعد عن تناول أخبار فريق المدينة الأول، لسبب واحد وبسيط، هو أن الفريق “اللِّي فيهْ يكفيه”، وأن الكتابة عنه، لا يمكنها إلا أن تجعلك في صف من الصفوف، وهناك ستصبح رقما مضافا على اليسار أو اليمين، بل إن السبب الذي كان دافعا لوضع مسافة بيني وبين الكتابة عن فريق المدينة، تصريح سابق لمسؤول سابق عن مكتب سابق، أجابنا بالمباشر حين تناولنا شغبا عرفه ملعب المسيرة، ومرر لنا خطابا على أمواج التلفزة والإذاعة بكون شخص كتب عن موقعة المسيرة رغم أنه لم يكن حاضرا بالملعب، وكأن سيادته كان يقف بباب الدخول إلى الملعب، ليعرف إن كان العبد لله حضر المقابلة أم لا، وحتما هو مخطئ، لأن هناك من المتتبعين من يجلس بين الجمهور، بدل منصة صحفية يجلس فيها الزملاء إلى جانب غرباء و”حِيَّاحَة” وإمَّعاتْ، لذلك أخطأ المسؤول السابق حين اتهمنا بأننا كتبنا من محبرة آخرين، وكأن الإعلامي ملزم بتقديم فروض الطاعة كلما دخل للملعب، حتى تُقترنُ كتابته بالمصداقية، وإلا فإن ما يكتبه هراء في هراء.
لذلك حاولنا في الكثير من المرات أن نتجنب الكتابة عن واقع وأحوال الفريق، لمعرفة أن ما سنكتبه سيعتبره البعض تصفية حسابات، وآخرون سيعتبرونه ردا على كتاباتهم، فيما الحقيقة أننا كثيرا ما آلمنا ما عاشه الفريق، فكما عشنا أفراح الانتصارات، وخيبات الانتكاسات، تابعنا الخصومات والانقسامات والتصريحات، وفي كل مرة كنا نقول مع أنفسنا “يا ربي فاجعلها تستقيم”، ولم تستقم بعد!!، في كل مرة كنا نقول بأنها ستسير، نجدها تكاد تسقط بالضربة القاضية، وفي كل مرة ننام على قضية نستيقظ على غيرها، وكأن لا شيء في آسفي سوى الجرائم والحوادث وأولمبيك آسفي.
فكان أن انتصر شيطان الكتابة على كل شيء، من أجل كل الحب الذي نُكِنُّه لفريق كان سببا مباشرا ولا يزال، يزاحم أخبار الجرائم والحوادث وقضايا السرقة والاختلاس والنهب والتدليس والإرهاب والتعذيب والاعتقال، على الأقل هناك بارقة ضوء نتسلل منها عبر الفريق الذي جعل آسفي حاضرة في المشهد الرياضي، وإلا فلنتصور آسفي بدون فريق في القسم الأول، آسفي التي أصبحت قرية بمواصفات البداوة تحت الصفر، لذلك انتصر شيطان الكتابة وليكن ما يكن، ليكن الظن بأننا نبحث عن التموقع هنا أو هناك، وليكن الظن بأننا إنما نردد دعاءنا الصادق “اللهم اجعلها تستقيم، وابعد عنا كل شيطان رجيم”، لذلك نكتب اليوم، ولذلك سنساهم بهذه الورقة لعل وعسى.
غرائب الغرائبِ بآسفي
بآسفي أمر عجيب وغريب، انتبه له بعض العقلاء، يتحدث عن ظاهرة النقد والانتقاد حد إشعال الفِتَن، لدرجة أصبح الأمر ظاهرة عادية لدى الأجيال المتلاحقة، جيل بعد جيل بعد جيل، الكل ينتقد الكل، الكل يبحث عن مساوئ ونقائص الكل، لدرجة أن هناك من ينتقد وهو لا يفهم لِمَ ينتقد، فقط لأن الآخرين ينتقدون، وهو ما شبَهَهُ أحدهم بقصة الغرفة والقرود، قصة قرد دخل غرفة فارغة إلا من عنقود موز تم وضعه قرب السقف، وإلى جانبه سُلَّمٌ، وبحاسة حيوانية عادية، انطلق القرد قافزا درجات السلم للوصول إلى حبات الموز المُعَلَّقة، لكن مياها بادرة أمطروه بها من فتحة جانبية جعلته يقفز بعيدا عن السُّلَم، وقف طويلا يتأمل العنقود والسلم، وفي لحظة قفز مرة أخرى على درجات السلم باتجاه الموز، وهنا سيتم إمطاره بمياه باردة، سيهرب معها مرة أخرى، وفي كل مرة كان يُعيد المحاولة، كانت المياه الباردة كفيلة بهروبه من على السُّلَّم، وحين أعياه ذلك، جلس منزويا في ركن الغرفة يتأمل الوضع، وفجأة دخل القرد الثاني إلى الغرفة، التفت جهة القرد الأول، ونظر باتجاه السُّلَّم وعنقود الموز، وحين هم بالقفز على السُّلَّم، ضربه القرد الأول على قفه، وجرَّهُ للجلوس بجانبه، دون أن يفهم القرد الثاني لم تم ضربه ولم هو مُجبر على عدم تسلق السلم للوصول إلى حبات الموز، جلس منزويا هو الآخر، ليتم إخراج القرد الأول، وإدخال القرد الثالث، والذي تلقى هو الآخر ضربة وجراًّ بمجرد أن حاول القفز باتجاه عنقود الموز، ليجلس منزويا قرب القرد الثاني الذي سيتم إخراجه وإدخال قرد رابع وخامس وعاشر، وفي كل مرة يدخل قرد جديد، يجد نفسه مضروبا مجرورا منزويا في مكانه دون أن يفهم لماذا، بل ويقوم هو الآخر بالضرب والجر دون أن يفهم لماذا، وهكذا الأيام، قرودٌ تأتي وأخرى تذهب، وفي كل مرة كان يتقدم فيها قرد ليقوم بالمحاولة، يجره قرد من قفاه، والنتيجة آلاف القرود تجلس متفرجة منزوية متربصة بكل من يريد المحاولة.
هي حكاية للتأمل وليست سبا ولا قذفا في أحد، ومن أراد أن يفهم غير ذلك، فسيكون فعلا من فئة القرود التي تضرب وتجر دون أن تفهم، أما ذوي الألباب والعقلاء فسيحللون القصة، ويفهمون مغزاها، هي ليست تنقيصا من أبناء مدينتي، بل رصدا لواقع يكاد يكون هنا وهناك، لتجربة تكاد تنطبق على بعض محطات آسفي، وإلا لم تسير الأمور بآسفي بنفس المنطق الذي تتناوله حكاية الغرفة والقرود، لِمَ يوجد دائما من ينتقص من تجربة، ومن يشعل الفتن، ومن يقوم بدور “الحياحْ” ومن ينتقد بسبب وبدون سبب، لِمَ نجد دائما من يغرد خارج السرب فقط لكي يكون ضمن من نقول عنهم “خالف تُعرف”، لِمَ يوجد دائما عدو أزرق، يصنع نفسه بنفسِه، فقط ليكون عدوا بالمجان، شخص لا يُعجبه العجب، لا تعجبه لا الألوان ولا الأشكال ولا الحركات و لا الكلمات و لا التصرفات، كل شيء له من ينتقده، الأبيض يجب أن يكون أسودا، والصغير كبيرا، وحين يتم تحويله إلى الأصغر، يأتي من يطالب بتحويله إلى أكبر من الكِبر، وهكذا، ملاك يتحول إلى شيطان، والشيطان ملاكا، الأصلح يتحول إلى مفسد طالح، والمفسد يُصبح بطلا وملاكا مُصلحا لدرجة طهارة الأنبياء، وكأنها لعبة يومية تمارسُ بالكثير من الميوعة، ومع الزمن أصبح كل شيء مُمِلاًّ رتيبا لدرجة التقزز، خصوصا حين يكون هناك إمعان في تصفية حسابات لم تراعي الحساب الأكبر، مدينة تموت في اليوم ألف مرة، وموت فريقها، نهاية للكثير من الأحلام التي حملناها بين صدورنا منذ عقود.
أخبار بين التصديق والتكذيب:
طيلة سنة كاملة كنا نراقب ونستمع لكل ما يجري حول الفريق، أخبار وإشاعات وحروب، تصريحات، بلاغات، بيانات، صراعات، شجارات، مشاحنات، ملابسات، سرقات، انشقاقات، استقالات، محاكمات، أمور تتفاقم حين يسقط الفريق، وأخرى تختفي حين ينتصر، وفي كل مرة كنا نضحك مما يجري، “دون كيشوطات” تحمل سيوفها وأقلامها وألسنتها لتحارب الطواحين، وإمعات يرددون أخبار زائفة تجد من يصدقها، وآخرون يستبلدون الجميع مستفيدين من كل ذلك اللغط، فيما كان الفريق سائرا نحو الضياع، لولى حظ جميل وعزيمة لا ينكرها إلا جاحد، لفريق بلاعبيه وأطره ومكتبه ومحبيه وجماهيره العاشقة المحبة.
طيلة سنة كنا ننام على خبر، ونستيقظ على آخر، نقرأ موضوعا، ونكتشف الحقيقة من جهة أخرى، كنا نشم روائح كل شيء، ونكتفي بالقول بأنه قدر آسفي أن تكون آسفي بكل ما تحمله من أسى وأسف على حالها وحال فريقها، مدرب انتهى به الأمر بقرحة في المعدة من الدرجة الثالثة، مكتب مُشَتَّت، لاعبون مهزومون نفسيا، وانتصاراتهم تعتبر نضالا يوميا في مدينة تُحصى فيها الأنفاس من طرف شرطة الأخلاق المُشكلة بكل مكان، ومكتبٌ لن يكون بأي حال من الأحول أسوء مما يصفه به البعض، ولا أحسن مما يحاول البعض تجسيده على أرض الواقع، هم أبناء آسفي المتصارعين منذ قِدم القِدَم، كالجمعيات والتعاونيات والمؤسسات والوداديات والحرف والمهن والوظائف، دائما تجد الأمر عبارة عن نصف هناك ونصف هنا، وكأنه صراع الأبد، وفي كل مرة تقول بأنها تستقيم، يظهر من يُحرك اللعبة من وراء الستار، وينطلق مسلسل الهدم والتشكيك والإبداع في نسج الحكايات والإشاعات والقصص، لدرجة أنني حضرت لحظة اعتراف صادقة لشخصين كانا في حالة صفاء ذهني، حين اختلفا حول من كان سباقا في حبك الإشاعة التي جعلت شابا له طموح سياسي، يتحول إلى مهرب للحشيش، لدرجة أن الشخصين كانا يناقشان من انطلق قي عملية الحبك، ومن نسج الوقائع، ومن أخرجها للشارع، وكيف أن تلك الإشاعة قتلت شخصا وجعلته يبتعد عن السياسة بشكل كامل، وهو أمر يحدث في آسفي بشكل كبير، كما وقع حين حبك شخص ما قصة الاعتصام الذي قام به لاعبوا فريق أولمبيك آسفي في يوم ما أمام المؤسسة البنكية التي يعمل بها رئيس الفريق أو أمين المال سابقا ، إشاعة تحولت إلى خبر صحفي، جعلنا نضع أيدينا على قلوبنا، خوفا من أن تكون الأمور صادقة، ويتحول مقر عمل شخص لا ذنب له سوى أنه تحمل مسؤولية التسيير، إلى مكان للوقفات الإحتجاجية كما وقع قبل ذلك من طرف جمعية مهما اتفقنا معها في مطالبها، فإننا استهجنا اختيارها مقر العمل الشخصي لرئيس الفريق من أجل الإحتجاج على تسيير رياضي لا علاقة له بمؤسسة بنكية، ذنبها أن مديرها هو رئيس نادي كروي، وهنا على كل من سيصبح رئيسا للفريق، أن يكون بدون مقر عمل، فحتما سيفاجئ يوما بوقفة احتجاجية يمكنها أن تكلفك مشاكل في العمل ومع أرباب العمل.
بالعودة للخبر، وضعنا أيدينا خوفا من أن يتحول اللاعبون من أفراد فيق كروي، إلى أعضاء في نقابة كروية، وتساءلت كما هو حال آلاف المتتبعين، كيف سيصبح الحال إذا ما نَفَّذَ اللاعبون وقفتهم الإحتجاجية أمام مقر عمل رئيس النادي المستقيل؟؟، وهل سيكون هناك خط رِجعة بين مكونات مكتب وفريق رياضي يُصارع من أجل المستقبل؟، إلى أن وصلنا بيان من نفس اللاعبين، يحمل توقيعاتهم، وأسمائهم وأرقام بطاقاتهم، هم نفس اللاعبون يفندون الخبر من أساسه ويقولون في بلاغهم : على إثر بعض الأخبار الزائفة وما تناقلته إحدى الجرائد الوطنية حول تهد يدينا بتنظيم وقفة احتجاجية ضد رئيس فريقنا السيد خلدون الوزاني كرد فعل على عدم توصلنا بمستحقاتنا المادية نعلن للرأي العام الرياضي: ـ نستنكر ما تروجه بعض الأقلام المأجورة الهادفة إلى خلق البلبلة والتأثير على مسيرتنا خلال الموسم الرياضي الحالي، ـ لم نهدد بتنظيم أية وقفة احتجاجية على عدم توصلنا بمستحقاتنا العالقة بذمة المكتب المسير، ـ ليس لدينا أي خلاف مع أعضاء المكتب المسير وعلى رأسهم رئيس الفريق السيد خلدون الوزاني الذي نكن له كل التقدير والاحترام ـ نُعَبِّرُ عن امتنانا الكبير لرئيس الفريق الذي كان دائما سندا ودعما لنا حتى في الظروف المادية الحرجة ـ لا نريد إقحامنا كلاعبين محترفين في تصفية حسابات شخصية وصراعات نحن في منأى عنها ، ـ نشكر الجمهور المسفيوي الحقيقي الذي يساند الفريق في السراء والضراء ونطمئنه على مستقبل أولمبيك آسفي.
قرأنا البيان، واكتشفنا بأننا نضيع وقتنا في سماع الإشاعات، ومع نكون مضطرين لقراءة تكذيبات وتوضيحات، تجعلنا في موقع اليقين بأن هناك من يحرك الكراكيز من خلف الستار، حتما هناك من له يد في كل ما يجري، شخص يريدها أن تشتعل، وحين أقول شخصا فهذا يعني أنه يمكن أن يكونا شخصان، أو ثلاثة أو مئة، هناك جهة ما لا تريدها أن تستقيم، تدفع باتجاه التفجير والنسف من أجل الفراغ، فلا يُعقل أن يخرج خبر الإحتجاجات بريئا لوجه الله ووجه اللاعبون، وهاهم اللاعبون يُفَنِدون الخبر من أساسه، بل ويُخاطبون الرجل بكونه رئيسا للفريق، مع طلب بأن لا يُقحمون في صراعات وتصفية حسابات، وهم لا يتكلمون من فراغ، بل يعرفون بأن هناك من يحن للمؤامرة لأنه لا يمكنه العيش بدونها، وهي عقدة يعرفها القاصي والداني، لأنها متأصلة في الكثير من أبناء المدينة “يا حسرة”، ومن لا يجد ما يتآمر عليه، تجده متآمرا على نفسه بحشر نفسه في أمور لا يرتبط بها سوى بما نسميه “خيرا وإحسان“.
خاتمة مع وعدٍ صادق:
قبل الختم لابد من تقديم وعد صادق، لكل من سيرد علينا، ومن سيتهمنا، ومن سيشعر بالضرر أو من سيحسب نفسه مقصودا، أو كل من سيصنفنا بأننا مع هذا ضد ذاك، أعدهم بالصمت وعدم الإجابة والرد حتى ولو كان الكلام سبا، أعده بأنني سألتزم بشيطان الصمت حتى لا يزداد الطين بلة، فالحب هو من حركنا، والصدق سبيلنا، نريدها آسفي الجميلة التي تغنينا فيها ونحن صغار، وحلمنا فيها بزهو الشباب، ونحن الآن في منتصف الطريق، حبنا للفريق الذي يضيء سماء آسفي السائرة نحو الضياع رغم جرعات الأمل، نريدها آسفي كما رسمناها خطوطا في بدايات الطريق، وليست آسفي الحروب والتطاحنات والتكتلات والصراعات والطعنات والدسائس و الجحود ونكران الجميل، آسفي التي مات فيها كل شيء، وتحيا اليوم بفريقها، فلا تقتلوا بريق الأمل فينا، لا تتركونا يتامى ونحن ننزوي بجانب هذا المحيط الهادر، رجاءً دعوها تستقيم كما قال زميل صحفي ذات سنة، لعل استقامتها تكون كالعدوى لكي تستقيم أمور أخرى، لكي تستقيم الثقافة والتنمية والتطور، لعل استقامتها تعيدنا إلى آسفي التي تصارع البداوة والهمجية والإجرام، وتبقى لحظات الحب الجميل التي نستشعرها ونحن نساند الفريق داخل رقعة الملعب، حين ننفجر فرحا، وننكمش أسفا وحزنا، حين نُعانق شخصا لا نعرفه، فقط لأن الذي يجمعنا حب صادق لفريق يمثل آمالنا ونحن نختلط مع سحنات بشرية تظل تصدح وتغني فرحا بالنصر، تقطع المسافة سيرا على الأقدام، وتجلس متسمرة أمام شاشة التلفاز، وحين يكون الإنتصار، يتم صُنع فرح غريب، ذاك الفرح هو ما دفعنا اليوم للكتابة إلى أنفسنا جميعا، إلى كل من يجد في نفسه شيء من آسفي الجميلة، ومن لايزال يحتفظ بنفس الصورة التي رسمها الآباء في مدارس الوطنية، إليهم جميعا تحية آسَفِيَّةٌ صادِقَة، والله الموفق.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=14458
عذراً التعليقات مغلقة