إعداد الدكتور نبيل خرشي
دكتور في القانون العام و العلوم السياسية
مهتم بقضايا الإعلام و التربية
حظيت دراسة السياسات العامة باهتمام بالغ و تداول واسع من لدن علماء السياسة في السنوات الأخيرة ، كما أن المدارس و البرامج التي كُرست لتدريسها و البحث فيها في تزايد مستمر. و قد تبلورت المنظمات و الهيئات المتخصصة بدراستها و ظهرت المجلات العلمية المتخصصة بقضايا السياسات العامة و موضوعاتها ، فكثيرون هم من أبدوا رغبة أو أسهموا فعلا في دراستها و تحليلها ، و الانشغال بتخصصاتها الفرعية.
و يعتبر مجال السياسات الإعلامية من بين أهم التخصصات الفرعية للسياسات العامة. و قد تصدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” لمسألة السياسات الإعلامية منذ السبعينيات من القرن الماضي ، حيث أولتها أهمية خاصة ، نظراً للثورة التكنولوجية في مجال الاتصال التي جعلت من الإعلام و الاتصال ظاهرة اجتماعية بالغة التعقيد في شتى المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية و السياسية، و كان من شأن هذا الاهتمام أن توضع ضوابط أو سياسات لأنشطة الإعلام، تحدد وظيفته وأهدافه و مسيرته .لذلك يرى بعض الباحثين أن هذا العلم أي “صنع السياسات الإعلامية ” لا يبنى على العشوائية، بل يخضع لقواعد وخبرات متراكمة،و بالتالي فإن صناعة السياسات الإعلامية ليست بالسهولة التي قد يتخيلها البعض، فهي تحدد للمؤسسة أهدافها وطريقة الوصول لها، وفلسفتها، وعملية التغيير اللازمة في الوقت المناسب، فضلاً عن كونها الوسيط الفعال بين المؤسسة والجمهور، لخلق حالة من التوافق بينهما، وتبادل التأثر لصالح الطرفين .
انطلاقا من ذلك ، دعت اليونسكو رسميا أعضاءها إلى ضرورة وضع سياسات وطنية للاتصال ، و قامت بنشر سلسلة من الدراسات حول سياسات الاتصال الوطنية في دول العالم منذ عام 1974، و ذلك بهدف توعية الدول الأعضاء بمفهوم سياسات الاتصال على كافة المستويات (حكومية و مؤسسية و مهنية…)،عن طريق تحليل السياسات الاتصالية القائمة فعلاً في بعض الدول الأعضاء، ثم قامت هذه المنظمة بعقد سلسلة من المؤتمرات الدولية الحكومية لمناقشة سياسات الاتصال في مناطق العالم الثالث المختلفة. و التي أسهمت بما قُدم فيها من وثائق و تقاريرو ما جرى من مناقشات، في إلقاء الضوء على الجوانب المختلفة للسياسات الإعلامية بشكل عام وما يتفرع عنها من سياسات[1].
مفهوم السياسة الاعلامية
اعتمدت اليونسكو تعريفا شاملا للسياسات الإعلامية أو الاتصالية و هو المعتمد حالياً ،حيث اعتبرت أن السياسات الاتصالية هي مجموع المبادئ و المعايير التي تحكم نشاط الدولة تجاه عمليات تنظيم و إدارة و رقابة و تقييم و مواءمة نظم و أشكال الاتصال المختلفة، على الأخص منها وسائل الاتصال الجماهيري، و الأجهزة الرئيسية للمعلومات،منأجل تحقيق أفضل النتائج الاجتماعية الممكنة في إطارالنموذج السياسي و الاجتماعيو الاقتصاديالذي تأخذ به الدولة [2]. و تقوم السياسة الإعلامية الحديثة على أساس الصدق في المعلومة، و التواصل المستمر و المنتظم مع الناس، و الحوار الذي يسمح بالاختلاف، و السماح للآراء المخالفة بالتعبير عن نفسها بحرية، و عدم البخل في تقديم المعلومة المفصلة لشرح وجهة نظر الحكومة في ظل عصر التكنولوجيا الذي يتيح للناس الوصول إلى ما يريدونه من معلومات[3]. بناء على هذا المفهوم، فإن عناصر السياسة الإعلامية تتألف من :يريدونه من معلومات[4]. بناءعلىهذاالمفهوم، فإن عناصر السياسة الإعلامية تتألف من : ما يريدونه من معلومات . بناء على هذا المفهوم فإن عناصر السياسة الإعلامية تتألف من :
– المضمون الإعلامي و الاتصالي.
– الأنظمة و المؤسسات الإعلامية و الاتصالية القائمة ، و أنظمة و مؤسسات نقل المعلومات و أجهزتها و وظائفها، والتشريعات المنشئة و المنظمة لها، وكيفية تحويلها، و إدارتها، والأخلاقيات المحددة لنشاطها، والأبعاد السياسية الداخلية والخارجية لها، بالإضافة إلى وسائل و شروط التمويل المالي المخصص لها .
– نوعية التكنولوجيا الاتصالية المستخدمة و حدود إمكانياتها و مدى تأثيرها على العناصر الأخرى .
– العمليات المتصلة بتقييم نتائج الأنشطة الإعلامية و الاتصالية ، و على الأخص ما يتصل منها بالآثار الاجتماعية
و الثقافية و التربوية على الجمهور بمختلف فئاته .
و تختلف السياسة الإعلامية عن التخطيط الإعلامي ، فإذا كانت السياسة الإعلامية هي التي تضع الخطوط العريضة لمسار الأنشطة الإعلامية و الاتصالية لتحقيق أهداف معينة ، فإن الخطوة المنطقية التالية ، هي ترجمة هذه السياسات إلى خطط محددة توضع موضع التنفيذ . فالتخطيط الإعلامي كأي تخطيط آخر هو توظيف الإمكانيات البشرية و المادية المتاحة أو التي يمكن إتاحتها خلال سنوات الخطة ، من أجل تحقيق أهداف محددة في إطار السياسة الإعلامية
و الاتصالية ، مع الاستخدام الأمثل لهذه الإمكانات.
أسس و مبادئ السياسة الإعلامية :
إن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه السياسة الإعلامية هو مبدأ ديمقراطية الاتصال الذي يتكون من ثلاث ركائز أساسية و هي : الحق في الاتصال ، الانتفاع ، المشاركة . و تأتي فيما بعد الأسس التشريعية التي تنبني عليها السياسات الإعلامية و هي :
– الدستور ، و هو الذي يحدد نطاق الحريات العامة و من بينها حرية الرأي و التعبير و حرية الوصول للمعلومة
– قانون الصحافة و النشر ، و القوانين المتعلقة بتنظيم المهنيين و القوانين المتعلقة بالاتصال السمعي البصري و كذا القوانين المتعلقة بالإشهار و استطلاعات الرأي ، و القوانين التي تخص حقوق المؤلفين و الانتاجات السينمائية
و التلفزية (…) ، دون إغفال السياسات العمومية في هذا المجال من خلال البرامج و المخططات الحكومية و المناظرات الوطنية و الدولية التي تعتبر أهم مصدر من مصادر صنع السياسات الإعلامية .
و يشكل عنصر التقييم جانبا أساسيا في هيكل السياسات الإعلامية ، و من المهم أن تكون هناك جهة ما تتولى عملية التقييم و ترتبط ارتباطا وثيقا بالجهة المشرفة على وضع السياسات باعتبارها جزءا من هيكلها ، و من استعراض الجوانب المختلفة لهذه السياسات . و من الموضوعات التي تثير العديد من التساؤلات فيما يتعلق بتقييم أي سياسة إعلامية ، تلك الموضوعات التي تتشابك في تقييمها أنظمة البحث الإعلامية و الاجتماعية و التربوية و النفسية و السياسية ،
و لا يمكن أن يترك تقييمها للمتدخلين في الشأن الإعلامي بشكل مباشر ، بل لابد من أن تشارك فيها مؤسسات البحث الأكاديمية المتخصصة . ومن بين أهم هذه الموضوعات :
– مدى تحقيق البرامج للاحتياجات الثقافية و الإعلامية لمختلف الفئات و الشرائح الاجتماعية للجماهير.- مدى التحقق من تطبيق مبدأ ديمقراطية الاتصال في وسائل الإعلام و الاتصال بما يتضمنه من إتاحة فرصة التعبير عن الآراء المختلفة بما فيها الآراء التي لا ترضى عنها السلطة ، و من المشاركة
الجماهيرية في تخطيط البرامج و تنفيذها ، و من الانتفاع بالنشاط الإعلامي بصرف النظر عن الموقع الجغرافي للمواطن او موقعه من السلم الاجتماعي .
– مدى تمتع الخدمات الإعلامية بالقدر المعقول من المصداقية من وجهة نظر المستمعين و المشاهدين، و هل يلجؤون إليها دائما أو أحيانا بالمعرفة الحقيقية أم أنهم يلجؤون إلى مصادر أخرى للمعرفة على الأخص في حالات الأزمات ،
و العوامل المؤثرة في تأكيد أو إضعاف هذه المصداقية .
– تقييم عملية تدفق المعلومات و البرامج من الخارج على الأخص بالنسبة للتلفزيون ، ما حجمها و ما مصادرها و ما المعايير التي تستخدم في الاختيار و الضغوط التي يتعرض لها القائم بالاتصال . و متابعة الآثار السلبية و الإيجابية التي تتركها البرامج لدى جمهورها سواء بالنسبة لزيادة المعلومات أو تدعيم الاتجاهات و المواقف و الآراء أو تعديلها أو تغييرها .
لائحة المراجع
-جيمس أنديرسون ، صنع السياسات العامة ، ترجمة عامر الكبيسي سنة 1998 ، دار المسيرة للنشر و التوزيع و الطباعة – –ص:5 .
-السياسات الاعلامية : مفهومها ، أبعادها و أهميتها- دراسة منشورة بموقع الجريدة الالكترونية اليمنية الميثاق.نيت بتاريخ 15 يناير 2007 .
-خالد عزب، السياسات الإعلامية، الدولة، المؤسسة ،الفرد – أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي ، الطبعة الأولى 2012 ، ص :6 .
-السياسات الاعلامية : مفهومها ، أبعادها و أهميتها-مرجع سابق .
-عواطف عبد الرحمان، قضايا إعلامية معاصرة في الوطن العربي – دار الفكر العربي ، القاهرة – 1996 ، ص 38.
-مروان المعشّر ، السياسة الاعلامية الناجعة ، ضرورة لا ترف ، مقال تحليلي ، مركز كارنيغي للشرق الأوسط بتاريخ 16 غشت 2017
-السياسات الاعلامية : مفهومها ، أبعادها و أهميتها – مرجع سابق .
-سعد لبيب ، دراسات في العمل التلفزيوني العربي ، مركز التوثيق الإعلامي ، بغداد ، الطبعة الأولى 1984 ص 28 .
-عبد القادر صالح معروف ، التخطيط الاعلامي و صعوباته في الدول النامية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، دراسة منشورة بالموقع الرسمي للمندوبية السامية للتخطيط المغربية .
المصدر : https://www.safinow.com/?p=15506
عذراً التعليقات مغلقة