عبد اللطيف أبوربيعة ** يبدو أن رد الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية ” مصطفى بايتاس ” لم يقنع شريحة واسعة من المواطنات والمواطنين المكتوين والمحتجين على التهاب الأسعارالذي وصفه المسؤول الحكومي بأنه ذا صبغة سياسية و يفرضه سياق دولي داعيا إلى وجوب الإيمان بهذه الحقيقة والاعتراف بأننا نعيش في سياق صعب ، معترفا في الوقت ذاته بأن هناك أسعارملتهبة على الصعيد الدولي وأن الحكومة المغربية تقوم بمجهود كبير لكي تحافظ على المواد الأساسية عبر العديد من الإجراءات التي جاءت في قانون المالية لسنة 2022 والتي تهدف إلى الرفع من القدرة الشرائية للمواطنين وترقية الموظفين التي كانت مجمدة في 2019 و2020 و2021 ، إضافة إلى إزالة مجموعة من الضرائب التي كان يؤديها الموظف كالمساهمة التضامنية مثلا ، ناهيك عن ورش الحماية الاجتماعية الذي جاء ليخفف من الكلفة الطبية لفائدة العديد من الأسر وهو الورش الذي يهم حوالي 11 مليون مواطن..لم يقنع بايتاس وهو يؤكد على أن الحكومة تقوم بمجهود مهم من خلال الدعم الغير المباشر للمواطن سواء على مستوى غاز البوطان والدقيق وتحافظ على أسعار الماء الصالح للشرب والكهرباء رغم ارتفاع كلفة هذا الأخير والتي ترتبط بالكازوال ..
و يبدو أن رئيس الحكومة “عزيز أخنوش” لم يقنع بدوره المتضررات والمتضررين من ارتفاع الأسعار وهو يتحدث عن مبررات هذا الارتفاع الصاروخي لأسعار العديد من المواد الأساسية من قبيل النقص الحاصل في التساقطات المطرية و الذي لم يعرفه المغرب منذ 40 سنة ، ويصرح بأن أثمنة المواد الغذائية الأساسية كالخضر والدقيق واللحوم البيضاء والحمراء مستقرة وأن ما ارتفع ثمنه هو البترول الذي وصل إلى سقف 87 و88 دولار للبرميل وبعض المواد الأولية التي تدخل في المنتوجات ، ويؤكد أن هذا الوضع ظرفي لأن بعض المصانع كانت مقفلة بسبب كوفيد مما تسبب في نقص العرض مقابل الارتفاع في الطلب ، وتمنى أن يتغير الوضع ويستقر في حدود شهري مارس وابريل المقبلين.
كما يظهر أن تفسير ” فوزي لقجع” الوزير المنتدب المكلف بالميزانية لموجة ارتفاع الأسعار لم يتفاعل معه المشتكون من هذا الارتفاع والمطالبون بالتعجيل بوقفه رحمة بالفئات الهشة وذات الدخل المحدود ، وهو يحاول قدر المستطاع توضيح أسباب تصاعد أثمان العديد من المواد الأساسية محددا منها قلة التساقطات المطرية ، بعد أن ذكر بالتعليمات الملكية السامية التي أمر بها جلالة الملك محمد السادس الحكومة والمتعلقة ببرنامج التدخل العاجل للتخفيف من آثار الجفاف والذي سيرصد له ، حسب فوزي لقجع، حوالي 10 مليارات من الدرهم 3 منها ستأتي مساهمة من صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية و ستوزع 6 ملايير من العشر المرصودة على تمويل وإعادة هيكلة مديونية الفلاحين وخاصة الصغار منهم الذين يلجؤون إلى القروض لتمويل السنة الفلاحية وسيخصص 1 مليار لتأمين الموسم الفلاحي والمحصول السنوي ، وستوجه 3 ملايير المتبقية لمختلف الأنشطة الفلاحية المتضررة خاصة منها تربية الماشية عبر توفير الأعلاف الضرورية وبأثمان مناسبة وكذا توفير الأدوية ..
ويتأكد أن إعلان وزير الصناعة والتجارة “رياض مزور” لم يخفف من حرقة الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود وهو يتحدث عن اتخاذ الحكومة إجراءات لتخفيض أسعار سلع وخدمات ويوضح أن المواد التي تنتج وتصنع في المغرب لم تشهد أي ارتفاعات، في حين زادت أسعار المواد المستوردة.
لعل كل هذا وغيره من التوضيحات و التطمينات الحكومية الرسمية والتي جاءت على لسان أعضاء الحكومة وفي مقدمتهم رئيسها لم تنجح لحد الساعة في إقناع شريحة واسعة من المواطنات والمواطنين الذين ألهبت موجة ارتفاع الأسعار جيوبهم ووجدت الحكومة المغربية نفسها وسط عاصفة انتقادات واسعة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والتي لم تتوقف جل تدويناتها عند حد الانتقاد بل طالبت في الكثير منها باستقالة الحكومة وبرحيل رئيسها “عزيز أخنوش” نتيجة ما عرفته البلاد من تزايد مضطرد وصاروخي لأسعار العديد من المواد الأساسية وفي مقدمتها أسعار المحروقات والمواد الغذائية التي فاقت في الكثير من الأحيان 15 في المئة ..المتضررون المشتكون يتهمون أخنوش بأنه تخلى وبمجرد ما وصل إلى الحكومة من خلال تصدر حزبه للانتخابات التشريعية لشتنبر 2021 على الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية والتي على أساسها نال ثقة الناخبين المغاربة الذين بوؤوا حزبه التجمع الوطني للأحرار صدارة نتائج الانتخابات المذكورة بعد مدة قصيرة من حملة المقاطعة التي كانوا قد خاضوها ضد منتوجات شركاته وفي مقدمتها الوقود في عهد الحكومة السابقة برئاسة حزب العدالة والتنمية والتي يذكر أن أخنوش وحزبه التجمع الوطني للأحرار كانوا جزءا منها..
ويرى المحتجون سواء منهم المنتمون إلى إطارات نقابية أو الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن قرارات الحكومة وخاصة تلك القاضية برفع الأسعار هي قرارات لاشعبية وجاءت لتصب الزيت على نار المعيشة الغالية للملايين من المغاربة وخاصة الفئات الهشة وذات الدخل المحدود ..كما يرون أن الحكومة التي يقودها اليوم حزب التجمع الوطني للأحرار برئاسة عزيز أخنوش بشراكة مع حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال لم تفي بوعودها لدى المغاربة والتي أطلقتها خلال حملاتها الانتخابية والقاضية بتقليص الفوارق الاجتماعية وخلق تنمية متوازنة بين مختلف مناطق المغرب والتقليص من نسبة البطالة خاصة في صفوف الشباب والتي تعدت 13 في المئة علما أن السواد الأعظم من المغاربة قد تأثروا بتداعيات جائحة كورونا وفقدت الآلاف من مناصب الشغل ..
ما يراه العديد من المواطنات والمواطنين المتضررين من الارتفاع الأخير للأسعار والذي ألهب جيوبهم الملتهبة أصلا بفعل تداعيات الجائحة أن الانسجام الحكومي الذي تمت الإشارة إليه في ميثاق الأغلبية تجسد اليوم ليس من أجل الإصلاح والتنمية وابتكار الحلول القاضية بتوفير العيش الكريم بل من أجل ضرب القدرة الشرائية للمواطنين ..وظهر بالملموس زيف النظرة التفاؤلية التي جاءت في هذا الميثاق وأن الكلام شيء والفعل شيء آخر وأن الواقع المعيشي للمغاربة اليوم يدحض هذه الشعارات وينذر بالأسوء لا قدر الله..
ختاما ، يبدو أن الحكومة الحالية للمملكة والتي حصلت على ما لم تحصل عليه أية حكومة سابقة من حيث ظروف العمل كونها تتوفر على أغلبية مريحة من ثلاثة أحزاب وأغلبية في البرلمان بغرفتيه وأغلبية على مستوى مجالس الجهات والأقاليم والمدن بالمغرب ، لا وجود لسبب من شأنه تبرير فشلها في تدبير الشأن العام وسن الإصلاح المنشود وتحسين معيش المغاربة وإعادة الثقة للمواطنين في السياسة والسياسيين..
مما لا شك فيه أن ارتفاع الأسعار يعد أول اختبار يضع الحكومة المغربية أمام مساءلة الشعب..فهل ستتجاوزه بنجاح؟
المصدر : https://www.safinow.com/?p=15787
عذراً التعليقات مغلقة