العنوانمرآةالنص
العنوان مرآة النص وواجهته الإعلامية، ويعتبر من العتبات النصية المهمة التي تعطي فكرة مجملة عن النص، ومن المداخل الرئيسية لمقاربته. وكما يقال: “الكتاب يعرف من عنوانه”، وبلغة الصحافة، فإن هذا الكتاب جاء يحمل عنوانا خبريا، يحث القارئ على الإبحار في سفر القراءة، بعفوية وتلقائية، دون إثارة أو محاولة جذب زائف. فالقراءة الرصينة تنتج عن رغبة حقيقية، وضرورة إنسانية للاستزادة في العلم والمعرفة،واكتشافعوالم أخرى، وليست مجرد استمالة عابرة ناتجة عن محسنات بلاغية أو مؤثرات لفظية.
ورغم أن المثل الإنجليزي يقول: “لاتحكمعلىالكتابمنغلافه”، والتي تستعمل، غالبا، بالمعنى المجازي، فإن غلاف هذا الكتاب، على العكس من ذلك،قد جاء على شكل تركيبة فوتوغرافية حاملة لعدة إشارات،ولها دلالات عميقة وموحية، تحيلنا على شخصية الشاعر والأجواء التي عاش فيها، من علم ووقار وأصالة، والمتمثلة في الزي التقليدي الذي يرمز إليه الجلباب، والفضاء المغربي العلمي الأصيل الذي يؤثثه مكتبوضعت عليه كتب ومحبرة وريشة، وفي خلفيته رف مكتبيوقوس مزخرف، إضافة إلى معلمتي المنارة والكتبية بمراكش بحمولتيهما التاريخية القوية.
قيمة الكتاب
لهذا الكتاب أهمية قصوى مزدوجة. من الناحية الإبداعية، فإن هذا المؤلفيعرف بشاعر كبير، مخلص للقبه، فحل في مجال قرض الشعر،نظم الشعر العمودي وأجاد فيه في مختلف أصنافه لكنه، في المقابل، لم يحظ بالاهتمام الكافي في مجالي البحثوالمواكبة الإعلامية، ومن الناحية السياسية والتاريخية، فإن هذا المصنفيختزل حياة هذا الشاعر المناضل والمقاوممن رعيلالوطنيين الكبار، أمثال عبد الله إبراهيم والمختار السوسي وعبد القادر حسن، علاوة على محمد الملاخ.
وبأسلوب سلس يتميز بالموثوقية، وفيه كثير من الحيوية والواقعية، ينقل هذا الكتاب القارئ، عبر مختلف تضاريس حياة هذا الشاعر، المتسمة بالتوهج الكبير والوطنية العارمة، ويتضمن هذا المصنف، بالإضافة إلى مقدمة، كلمات ابن الشاعر الدكتور محمد الفحلي،والشاعر أحمد بلحاج آية وارهام، وأسرة الشاعر سواء في حق الشاعر الدكالي أو تجاه الباحث متفكر الذي تجشم عناء إصدارهذا العمل، وكذابعض المحطات المفصليةوالمعطيات المحورية في حياة الشاعر، بدءاببعض قصائدهالمحبرة بخط يده،وباقة من الصور المنتقاة من ألبوم عائلة الشاعر وأصدقائه،ونبذة عن حياة والده الفاضل، وومضات من حياته الخاصة والإبداعية، والرسالة الشوقية، وحياته السياسية، ومرورا بعلاقته بالعلماء والأدباء المختار السوسي والطاهر الإفراني، إضافة إلى إبراهيم الإلغي، وعواطف الفقيه والأديب محمد بن العباس القباج نحو الشاعر، وانتهاء بنماذج من شعر هذا المبدع في أبواب الوطنيات والإخوانيات، والمديح والرثاء والغزل، والاعتذار والشكوى والعتاب، علاوة علىالمراجع المعتمدة في إنجاز هذا الكتاب مرتبة، بطريقة ألفبائية.
وبخصوص هذا المتن الشعري، تقول أسرة الشاعر:“جاء هذا الكتاب لينفض بعضا من غبار النسيان أو التناسي عن شاعر أغفلته وسائل الإعلام رغم بصماته في تاريخ الحركة الوطنية، ولا تكاد تذكره أحيانا حتى ضمن قائمة الوطنيين في المناسبات الوطنية”، مبرزة أن بيته كان “ناديا غير رسمي للوطنية والشعر، وقد ضاعت خزانته كما ضاع شعره، ولم يبق من ذلك إلا ما اختزلته ذاكرة الأصدقاء”.
شوقي المغرب
ولد الشاعر أحمد الدكالي الفحلي بالرباط سنة 1918، وتلقى تعليمه الأولي بالكتاب، على يد مجموعة من الفقهاء، نذكر من بينهم الشاذلي والأزرق وبنقاسم، إضافة إلى الحنبوبي. لقد كان هذا الشاعر متوهج الذكاء، ومحط إعجاب أساتذته وأقرانه، حيث ترك بصمة قوية في المحافل الأدبية والوطنية والاجتماعية التي شارك فيها، وشاءت الأقدار أن قطن بذات الزقاق الذي يسكن فيه العلامة المختار السوسي،ونظرا لنباهته وتميزه الدراسي، توطدت هذه العلاقة بين الشيخوالطالب، وأثمرت الرسالة الشوقية التي وجهها هذا العلامة من منفاه بإلغإلى تلميذه الشاعر، ملقبا إياه بالأديب النابغة، والذي ما لبث أن أطلق عليه اسم شوقي المغرب، لكونه يحظى بمرتبة عالية في مجرة نظم الشعر، في حين يلقبه الشاعر آية وارهام، بشاعر النبض الوطني والقومي.
ونظرا لمواقفه الوطنية المناهضة للاستعمار الفرنسي، تعرض هذا المبدع لعدة مضايقات، ما جعله يختار، بإيعاز من والده، المنفى القسري بتونس، حيث تابع دراسته بجامع الزيتونة والجامعة الخلدونية، منتهزا هذه الفرصة للتعريف بالقضية المغربية في الأوساط العلمية ودوائر القرار التونسية، إثر ذلك، اضطر للعودة إلى المغرب،ليستأنف عمله الوطني ضد المستعمر. ونظرا لظروفه الصحية القاهرة، فقد زهد في تقلد أي منصب عمومي أو حر، وقد توفي، رحمه الله، سنة 2001.
موسوعيةمتفكر
أصدرهذاالباحث الموسوعي مايربوعن الخمسينمؤلفافيعدةمناحي معرفية،تتوزع بين التأليفوالتحقيق والدراسة والبحث، تشكل لوحدها بيبليوغرافيا متخصصةوثمينةحول الذاكرة الثقافية، وخصوصا الشعرية لمدينة مراكش، مع اهتمام خاص ببعض الأقاليم المجاورة، والتي لها علاقات علمية وثقافية وثيقة بهذه المدينة، مثل أقاليم تافيلالت والسراغنة، إضافة إلى دكالة.
إن متفكر مثل عالم حفريات، ينبش في الخبايا الثقافية المنسية للمدينة، حيث أخرج من زاوية الظل عدة أعمال أدبية وفكرية كانت معرضة للضياع أو النسيان، مانحا إياها حياة جديدة، وفرص جيدة للقراءة والاكتشاف، من طرف القارئ المتعطش لهذا الصنف من المؤلفات.
وعن هذا الباحث، يقول الشاعر آية وارهام، في ذات الكتاب، إنه موجة سامقة صافية ملأت العين والقلب والعقل بعطائها، وسقت الذاكرة بما لم يسقها بها الآخرون، مبرزا أنه بذل ذوب عينيه، وحر ماله، وعبق ذاكرته، وثمين وقته في سبيل إحياء أعلام مدينة مراكش، ونفض غبار النسيان عنهم، وتبويئهم المكانة التي يستحقونها في مجرة النبل والإبداع والوطنية والسخاء، وشاكرا إياه بلسان أرواح هؤلاء الذين أحيا تراثهم المنسي، بدءابالشاعر المرحوم أحمد النور، وانتهاء بالشاعر المناضل الزاهد الأستاذ أحمدشوقي الدكالي الفحلي.
وفي ذات السياق، يعرب الدكتور محمد الفحلي، ابن الشاعر الراحل، عن فائق التقدير والاحترام للباحث القدير والمجد متفكر، الذي أصر على استئناف أبحاثه، من خلال إصدار ما تبقى من أعمال الشاعر، التي حاول عملاء المستعمر طمسها وإتلافها.
ويذكر أن هذا الكتاب يستحقالقراءة المتأنية والمتعددة، لأنه يكشف لنا عن جوانب خفية من حياة هذا الشاعر الكبير بنبوغه وتضحياته، والذي قلما يعرفه القراء والمهتمون بالشعر المغربي، وكذا لكونه يشكل وثيقة تاريخية حبلى بالأحداث والمعطيات عن المغربالحديث، خصوصا خلال فترة الحماية الفرنسية.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=15991
عذراً التعليقات مغلقة