زنزانة نون وعباءة الخطاب

زنزانة نون وعباءة الخطاب

-أسفي الأن
ثقافة وفنون
-أسفي الأن17 مايو 2022آخر تحديث : الثلاثاء 17 مايو 2022 - 3:06 مساءً

111 - زنزانة نون ، عرض مسرحي لجمعية النساء العبديات للفنون الدرامية بأسفي ، من تأليف لبنى لحبيبي ، سينوغرافيا محمـد النحيلة ، إخراج سميرة سنتيل ، تشخيص كل من لبنى لحبيبي ، سميرة سنتيل ، عائشة العماري ، ونزهة زوفير ..  

قُدّم هذا العرض عدة مرات ، مرة على خشبة مدينة الثقافة والفنون بأسفي بمناسبة اليوم العالمي للمسرح بتاريخ 28/03/2022 ، ومرة أخرى على خشبة مسرح محمـد الخامس بالرباط بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بتاريخ 07/03/2022 ، وتم عرضه أيضا في نفس السنة بمناسبة اليوم الوطني للمسرح ..

المناسبة هنا شرط ، والشرط له أكثر من دلالة نظرا لارتباطه بعيد المسرح وعيد المرأة ، نحن إذن أمام معركتين : معركة المسرح ، ومعركة المرأة ..    

من هنا نتساءل كيف يمكننا أن نلج إلى هذه الزنزانة رغم كونها زنزانة مُتَخَيَّل ، زنزانة بلا حراس ولا حدود ، حيث لا يستطيع المتلقي أن يميز فيها بين السجين والسجان ، هل نون النسوة أم الجمهور المشدود على الكراسي داخل قاعة تسبح وسط الظلام ؟ ..

زنزانة نون إذن زنزانة ماكرة ، قد تجعل المشاهد يحس بأنه بعيد عن الأحداث ، لكن خداع العرض المسرحي قد يدفع به إلى التورط في ازدواجية السجان والسجين ، حيث تصبح الحرية معادلة وجودية لا تتحقق إلا بنزع عباءة العقل والمنطق ..

ـــ من هنا تبدأ الحكاية :

ثلاث نسوة في قلب الحدث ببناء درامي اعتمدت فيه لبنى لحبيبي رفقة المخرجة سميرة سنتيل على المزاوجة بين المسرح والحكي ، ولاسترجاع كل حكاية لجأت المؤلفة والمخرجة إلى تقنية الاستقطاع لخلخلة التسلسل الزمني والمكاني لإضفاء عنصر الإثارة والتشويق في قالب مزج بين الملهاة والمأساة ، فالخيط الرابط هنا هو وضع المرأة داخل مجتمع ذكوري سلطوي موزع بين مؤسسات ، بعضها إيديولوجي قهري ، وبعضها زجري قمعي ..

تتوزع هذه الحكايات الثلاث في ” زنزانة نون ” بين مؤسسة الأسرة ، والمستشفى ، والإدارة ، إلى جانب المؤسسة السجنية باعتبارها مكانا رمزيا لمجتمع قمعي في قالب حابل بالمواقف الساخرة ..

ـــ السخرية في زنزانة نون :

2222 -

بين الحرية والضرورة لجأت ” زنزانة نون ” إلى السخرية من عالم مغترب مهما تقدم يبقى سجينا وسط حضارة قمعية حولت العالم المعاصر إلى أرقام صماء فقد من خلالها الإنسان إنسانيته ، وهويته ، وكينونته ، فالرقم ثمانية في ” زنزانة نون ” له أكثر من دلالة ، اختزل المرأة في رمز خَدّاع ، وحوّلها من كائن حي إلى رقم ميت ، من هنا يستفزنا العرض المسرحي بسؤال ماكر ، هل عيد المرأة حقيقة أم استعراض كاذب ؟ ..

سؤال أجابت عنه مشاهد العرض المسرحي ، بحس إخراجي محترف ، بسلاح السخرية باعتبارها وسيلة نقدية لتعرية القيم المجتمعية المزيفة بشعارات التضليل ، حيث تحولت الزنزانة ” النونية ” إلى علبة فرجوية عرت واقع الإنسان المعاصر ، فالزنزانة أعراف وتقاليد ، فكر وثقافة ، ومجتمع تقليدي يرتكز على بنيات قهرية مؤسسة على العزل والتهميش ، لكنها في نفس الوقت اختراع بشري مضحك ، وتجليات للحمق المُفارق بالصيغة القمعية لميشيل فوكو ..

لقد استطاعت المؤلفة والمخرجة معا رفقة باقي الممثلات من خلال انتمائهن النوعي أن يملأن مساحات العرض بالمفارقات المضحكة بواسطة لعبة اللغة والجسد ، وتحسيس المتلقي أنه أمام رؤية نسوية تنافس العنصر الذكوري في الكتابة والتشخيص والإخراج ..

ـــ عباءة الخطاب في زنزانة نون :

اختيار مصطلح ” زنزانة ” متبوعا بحرف ” النون ” ، هل هو مكر اللغة ودهاؤها أم صدفة الضرورة ولعنتها ، حيث نلاحظ تكرار ” النون ” أربع مرات ، في أدوار أدتها أربع نساء كلهن سجينات وسجانات ..

إن كلمة ” زنزانة ” قد تسقطنا منذ الوهلة الأولى في مغبة الخداع ، لكن عرض الزنزانة وضعنا أمام مصطلح منحوت بزفرات فئات اجتماعية مقهورة داخل فضاء رمزي تخطى أسوار السجون بالمعنى التقليدي للمصطلح بفضل التشخيص الجيد والكتابة والإخراج النوعيين للمؤلفة لبنى لحبيبي والمخرجة سميرة سنتيل ..

ميراني الناجي

سلا في 17/05/2022

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة