بقلم الاستاذ : رشيد صابر *** رجل واحد في اسفي، يحتكر كل المدينة سياسيا، واداريا، واقتصاديا. انما يشهد له الرعاة بكرمه الزائد. بل ولا احد منهم ينكر انه كريم من اب كريم، من جد كريم. والحمدلله، ان شجرة كرمهم المثمرة، كما تجذرت في الاصول، تفرعت في الحواشي و الفروع. حتى غطت المدينة بثمار كرمها، التي تسّاقط على كل الارائك الوثيرة، رطبا جنيا، لتكبر وتنمو، فتصبح شجرة كرم اينع من سابقاتها.
ما اروع ان يكون المرء من عائلة الرجل الكريم في اسفي.
فقد يحصد الاخضر واليابس، بالسيطرة على كل المعابر والمداخل المعطاءة، ويتعاظم جانبه، باحتلال كل المراكز والمناصب الحساسة، بل ويصير بمجرد النطق باسمه الرنان، شخصا اكبر حجما حتى من نفسه. وبامكانه ان يتخطى كل الحواجز والسدود، وكل العوائق المحتملة، ليقضي اغراضه بسلاسة وباحترام تام.
فمن يقدر حقيقة على اغضاب الرجل الكريم، الا من كان جاهلا بمن يكون. فاياديه الاخطبوطية المسمومة ، تطال كل شيء يتنفس في المدينة، من كبير وصغير. واذا اشرقت شمسه في اي ركن من اركان المدينة، انكسفت الانجم كلها، لان كرم شمسه، ليس ككرم الاقمار من حوله.
والعجيب في سلالة الكرماء، الذين لا يشق لهم غبار في السياسة، والادارة، والتجارة، وكل شيء. انهم تعلموا الحكمة والطب والقانون، قبل ذلك، لكنهم برعوا في تدبير الشأن السياسي على نحو خاص، لما وجدوا فيه العفة التي تشترى بابخس ثمن، والنبل الذي يعطى باقل جهد. واكتشفوا فيه سر التحكم في رقاب الناس ومصائرهم، بمجرد اشارة بالبنان. والاهم من كل هذا، وفرت لهم سياساتهم الفاسدة المسمومة، الوسيلة والغاية، لتحقيق سائر الاحلام المستحيلة، من اوسع الابواب و اقصر الطرق.
فهذه المدينة القديمة الجديدة، لن يدخلها مصلح ماداموا فيها. لان اهل الكرم، بتاريخهم المجيد، وحاضرهم التليد، يكرهون من ينافسهم في الكرم، الذي هو اصل فيهم، ورثه الابناء والاحفاد عن الاجداد. وبالتالي، يصنعون العراقيل والمطبات، ليقع كل دخيل غير مرغوب فيه، في شر حبه للمدينة البائسة، وفي وبال نظرته الطموحة لتغيير معالمها الذابلة.
واذا كان كل هؤلاء الاخوة الاكارم، قد رضعوا السياسة في حليب امهاتهم، حتى برعوا فيها، فواحد من بينهم، ادعى انه عبد الله الكريم، بل الاكرم من كل هؤلاء جميعا. وانه سيد المدينة وخادمها بلا منازع، وانه الاكثر حنكة سياسية من كل هؤلاء.
الصاعد برغبته، والنازل بنكايته. بالامس القريب، كان في امس الحاجة لتحالف المصلحين من حوله. فتواضع وتصاغر، وقبل الرؤوس و الاحذية، ثم ارتعد وارتعب بعد ان تعرض لابشع طرق الابتزاز ولي الادرع من اقرب حلفائه وعلى رأسهم من صار له اليوم عبدا ، الى ان اتاه المخاض في اليوم المشهود. وما ان انتهت اللعبة، حتى انقلب على عقبيه مئة وثمانون درجة. ونسي يوم التحالف الكبير الذي ابقاه سيدا على المدينة.
وهكذا ظلت المدينة على حالها الكئيب منذ عقود واحقاب. يتغير الجميع، ويرحل الكثير، ويبقى اهل الكرم الذين عمروها واستعمروها، كالطود الشامخ، بين دروبها وشوارعها، يصولون ويجولون الى الابد. دون ان تكون لاحد القدرة على الوقوف ضدهم او الجرأة على الصراخ في وجوههم.
فهؤلاء لهم اذرع قوية تحميهم وتسندهم، وحولهم بطون جائعة تتذكر كرمهم. بينما الاخرون،
مجرد فضوليين انذال، جاؤوا من كل حذب وصوب، بذريعة الاصلاح. واي اصلاح افضل من اصلاح اهل الكرم. لن نصدق شعاراتكم الفارغة، مادام اهل الكرم منا وفينا. فموتوا بغيظكم ايها المصلحون الجدد. انتم لستم مصلحون، بل انتم ملحدون.
واش عرفتوه ……انه هو .
بقلم الاستاذ رشيد صابر
رئيس جماعة لبخاتي
عضو المجلس الاقليمي
المصدر : https://www.safinow.com/?p=16648
عذراً التعليقات مغلقة