إن مواجهة الفساد في مجال الرعاية الصحية وأسفي نموذجا هو قضية عمومية جوهرية وهي هامة بحيث يمكن إعتبارها مسألة حياة أو موت خصوصا بالنسبة إلى الألف من الساكنة الأسفية وخاصة الفقراء منهم الذين يقعون ضحايا مقدمي الرعاية الصحية عديمة الأخلاق والمبادئ.
إن أنظمة القطاع الصحي ببلادنا و أسفي على الخصوص معقدة التركيب وغامضة لعامة الناس وهي بيئة خصبة للفساد، وعلى الرغم من أن غالبية العاملين في القطاع الصحي يقومون بأداء مهامهم العلمية والعملية بجد ونزاهة وتكامل مهني، إلا أنه هناك مؤشرات وأدلة لإنتشار الفساد في كافة أنواع القطاعات الصحية على شكل أنشطة تتصف بالتحايل والإرتشاء في الخدمات الصحية على إتساعها وشمولها وتتراوح هذه ما بين السرقات الصغيرة والمحدودة وعمليات الإبتزار إلى الإنحرافات الهائلة للسياسات والتمويل المالي وإلى رشاوي ، وأشكال الفساد هذه تفشت وتصاعدت لتخترق كافة أشكال الرعاية الصحية للقطاع العام و القطاع الخاص إن كانت في شكل الرعاية الأولية أو الرعاية المتقدمة.
إنتشار الفساد الصحي بأسفي هو إنعكاس لثقافة سلبية منتشرة في البيئة التي يخدمها القطاع الصحي، فقد أظهرت مجموعة من المعلومات الإخبارية أن الفساد هو أقل إنتشاراً في المجتمعات التي تحترم القانون، وتتصف بالشفافية والثقة بالأخر، والتي يكون القطاع الصحي العام بها ملتزم بإدارة ناجعة بمرجعية إجراءات ونظم أخلاقية موثقة وآليات مسائلة معلنة وواضحة للجميع.
لماذا القطاع الصحي عرضة للفساد أكثر من غيره؟ هناك عوامل المخاطرة التي تؤدي إلى الفساد في القطاعات المختلفة تؤثر على القطاع الصحي أيضا بالإضافة إلى عوامل خاصة به تجعله عرضة للفساد أكثر من غيره، فالقطاع الصحي يتصف بغموض مهني معقد لا يسمح بسهولة المراقبة وقياس أداء الخدمات والبرامج من خارج القطاع، كما وأن القطاع الصحي يتصف بالتشتت وعدم تماثل نظم المعلومات به ويتصف أيضا بحاجته لعدد كبير من المهن المختلفة والمتنوعة التي تخدم القطاع تتراوح ما بين صانعي القرار والمشرعين والإدارين والأطباء والتأمينات الصحية مما يفاقم الصعوبات والمشاكل في عملية تحليل المعلومات وفي عملية الترويج للشفافية وإستكشاف منابع الفساد، بالإضافة لإعتماد القطاع الصحي على شركات القطاع الخاص لتوفير البنية التحتية وبناء المنشاءات وتوفير العقاقير والمستلزمات الطبية والخدمات الإستشارية وكذلك هو عرضة للفساد لتضخم حجم ميزانيته من المال العام، ومما يزيد الأمر تعقيدا هو حقيقة الإخفاق في التمييز ما بين كون تردي أوضاع الخدمات الصحية في القطاع العام هي نتاج الفساد أو هي نتاج عدم توفير موارد كافية أو كونة نتيجة أخطاء مهنية ونقص بالكفاءة والتدريب، ويتعقد الوضع أكثر لصعوبة قياس هدر الموارد المالية الإجمالية للفساد في هذا القطاع، كما ويزدهر الفساد في القطاع الصحي بسبب عوامل خطورة من مثل الرواتب المتدنية للعاملين الصحيين بسبب خفض وتحديد الدولة الميزانيات الصحية وعدم تقدير ومكافئة الإنجازات الطبية المميزة، وغياب مراقبة تنفيذ الإجراءات والإخفاق بالأشراف على المقاييس المهنية وغياب عقاب المخالفين جزائيا وحقوقيا.
الفساد عمومًا يحرم المواطنين من سهولة النفاذ السهل للرعاية الصحية ومن الممكن أن يؤدي إلى تقديم علاج خطأ أو مميت وليس هناك مواطن محصن من أي يكون ضحية لهذا النوع من الفساد، إلا أن الفقراء أكثر تأثراً بفساد القطاع الصحي لأنهم أقل قدرة على التأقلم والإستجابة للبيئة الفاسدة وهم يعتمدون مباشرة على الخدمات شبة المجانية التي يقدمها القطاع العام المنهك بالفساد، وهم غير قادرين على إيجاد بديل ودفع مقابل خدمات صحية بالقطاع الخاص. على مستوى السياسات يؤدي الفساد في القطاع الصحي لتحويل وتوجيه الأموال إلى مشاريع محددة لمنفعة شخصية أو مالية بغض النظر عما إذا كانت تتناغم والسياسة الصحية على المستوى الوطني.
وترتكب أنشطة الفساد بالقطاع الصحي من قبل جهات عديدة ومتقاطعة تشمل صانعي القرار والمدراء على المستوى التنفيذي والرقابي و السماسرة للأطباء داخل المستشفيات ، والموظفين العموميين في التأمين الصحي، وأطباء القطاع الخاص والعام وشركات الأدوية والمستلزمات الطبية وشركات تقديم الخدمات والمرضى أنفسهم وتتضمن أشكال الفساد المنتشرة في القطاع الصحي و حتى حراس الخواص الذي أصبحوا يفهمون ويتفنون في كل شيء مثل قراءة التقريرات الطبية و الأدوية وحتى صور الأشعة .
1) فساد الأطباء في القطاع: يتقاضى الطبيب في القطاع العام راتب ثابت بغض النظر عن عدد الحالات التي يتعامل معها أو نوعية الخدمة التي يقدمها وهذا يشكل عامل خطر للتراخي في تقديم الخدمات بالشكل الجيد ويعتبر شكلا من إشكال الفساد. أشكال الفساد الأخرى التي قد يقوم بها الطبيب في القطاع العام هي بإساءة إستخدام وظيفته العامة بتحويل المرضى لخدمات في القطاع الخاص لمنفعة شخصية أو مالية، أو إستخدام الخدمات والمستلزمات الطبية في القطاع العام لمرضى القطاع الخاص، وقد يعمل أطباء القطاع العام في القطاع الخاص على الرغم من أن الأنظمة لا تسمح بذلك، على حساب مجهودهم الذي من المفترض أن يقدم للمرضى في القطاع العام، وقد يقوم الأطباء في القطاع العام بإساءة إستخدام صرف العقاقير الطبية لمنفعة شخصية أو لمنفعة أصدقائهم أو أقاربهم أو بهدف إعادة بيعها لمنفعة مالية أو بهدف إستخدامها في القطاع الخاص، وشكل أخر من أشكال الفساد التي يقوم بها الطبيب في القطاع العام هو الحصول على منفعة شخصية أو مالية مقابل الخدمات التي يقدمها للمرضى والتي من المفترض أن تكون مجانية أو شبة مجانية. إن أنشطة الفساد هذه التي يقوم بها بعض الأطباء في القطاع العام غير قانونية وغير أخلاقية الإ أنه في كثير من دول العالم الثالث ينظر إليها على أنها أنشطة مقبولة إجتماعيا للتأقلم مع الرواتب المتدنية وبيئة العمل السيئة.
2) فساد الأطباء في القطاع الخاص: هناك فرصة للعاملين في القطاع الصحي الخاص لإرتكاب أنشطة فساد بسبب تأثيرهم المباشر على القرارت الطبية بالتشخيص ووصف العقاقير الطبية، وفترة الإدخال للمستشفى، وطلب الفحوص المخبرية وتحويل المرضى لإستشارات أو خدمات إضافية وتحرير التقارير الطبية، فإذا لم تكن هذه القرارت في صالح المريض بمرجعية أخلاقيات المهن الصحية وإنما كانت بهدف الربح والكسب غير المشروع للطبيب فتشكل أنشطة فساد وهي للأسف منتشرة بكثرة في القطاع الخاص.
3) الدخل المالي غير المنظور للأطباء والمهنيين الآخرين يأخذ إشكال عديدة منها إساءة صرف العقافير والمستلزمات والمعدات الطبية لإستخدامها في عمليات إعادة البيع أو في الممارسة بالقطاع الخاص أو لإستخدامها من قبل الأصدقاء والأقارب بهدف منفعة العلاقات الشخصية، ولا يمكن النفي بأن يكون الدخل غير المنظور من الإختلاس والسرقة المباشرة من عوائد تقديم الخدمات للمواطنين بطرق تحايل عديدة، أو الحصول على دخل مالي أو منفعة شخصية مقابل تقديم خدمات يفترض أن تقدم مجانا، أو الحصول على هذه المنافع مقابل التحويل للقطاع الخاص أو مقابل تقديم علاجات معينة باهظة الثمن.
4) الفساد في المشتريات يأخذ إنماط مختلفة فقد يكون على شكل الموافقة على قيم مالية تتجاوز القيمة الحقيقية، أو على شكل الإخفاق في تعزيز وتشجيع المعايير التعاقدية القانونية بالنسبة لجودة العقاقير والمستلزمات والمنشآت، أو شراء خدمات فندقة وخدمات صيانة وتنظيف ثمنها باهظ لا يتناسب مع جودتها.
5) الفساد في آليات تحصيل المال العام، كالتراخي في إجراءات تحصيل الرسوم المقررة، أو عدم التحصيل المالي عن طريق علاج المرضى غير المؤمن عليهم صحياً بإستتخدام بطاقات أشخاص مشمولين بالتأمين الصحي، وصرف بطاقات تأمين صحي لأشخاص لا يستحقونها، وكذلك تقديم فواتير غير حقيقية للتأمين الصحي لعلاج المرضى في القطاع الخاص، وقد يصل هذا النوع من الفساد في بعض الأحيان إلى التزوير المباشر في سجلات وقيود الفواتير ودفاتر الإيصالات، وقد يكون الفساد في هذا المجال بالإنتفاع بتحويل مرضى المستشفيات العامة بصوة غير مناسبة وبدواعي غير حقيقية للقطاع الخاص بهدف المنفعة المالية أو منفعة العلاقات الشخصية.
6) الفساد في سلسلة التعامل مع المستلزمات الطبية، ويشمل ذلك تحويل مسار أو سرقة المستلزمات الطلية عند نقاط معينة في نظام التوزيع، وقد تكون على شكل قبول مبالغ نقدية مقابل الموافقة وإعتماد منتجات محددة أو تسهيلات خاصة بإجراءات التخليص الجمركي أو بشأن وضع الأسعار وتحديدها، وقد يكون الفساد في هذا المجال بالسماح بإستخدام ووصف عقاقير ومستلزمات محددة دون غيرها مقابل مردود مالي للجان العطاءات أو للأطباء أو على شكل توفير أدوية دون المستوى الحقيقي أو ذات معايير مخالفة.
7) فساد صانعي القرار والمدراء على المستوى التنفيذي والرقابي: هناك دور أساسي للحكومة بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين بتوفير الرقابة على الخدمات الصحية بما في ذلك سلامة العقاقير وفاعليتها وضمان أن المهنيين في القطاع الصحي حاصلين على شهادات معترف بها ويحملون تصاريح مزاولة المهن، وضمان رفد المنشاءات الصحية المختلفة بالموظفين والمستلزمات. غياب الرقابة عادة ما يوفر الفرصة لأنشطة الفساد فعلى سبيل المثال شركات الأدوية تتدخل في نتائج الأبحاث العلمية حول فاعلية العقاقير الطبية أو تقدمها للجهة الرقابية بطريقة تغاير الواقع بهدف الحصول على الموافقة، وقد يحصل الفساد بالتغاضي عن مراقبة متطلبات مزاولة المهنة إن كان عن طريقة الرشاوي أو الحصول على منفعة شخصية للمسئولين.
8) الفساد المتعلق بالتأمي الصحي: على مستوى السياسات العامة يكون الفساد بالتأمين الصحي بمظهر عدم المساومة والعدالة من قبل الحكومة بعدم توفير الميزانية الكافية لصندوق تأمين صحي معين بهدف دعم صندوق آخر بدوافع سياسية لدعم المستفيدين من هذا الصندوق. قد يتعرض “التأمين الصحي” للفساد من قبل ألآخرين خارج إدارته إن كانوا مرضى أو أطباء، لكن العاملين به قد يرتكبوا الفساد أيضا بالتحايل على الأنظمة وتوفير خدمات التأمين لأشخاص لا يستحقونه لأهداف سياسية أو بهدف منفعة شخصية لهم. وقد يرتكب الفساد في التأمين الصحي بقبول فواتير علاج غير حقيقية من القطاع الخاص، أو بمحاولة رفض أو تأخير فواتير علاج حقيقية بهدف الحصول على منفعة شخصية أو مالية من قبل القطاع الخاص، وقد يقوم الموظفين في التأمين الصحي بدفع رشاوي لآخرين بهدف التغاضي عن قيامهم بممارسات غير قانونية.
9) الفساد الذي يرتكبه المرضى: قد يقوم المرضى بإدعاء الفقر للحصول على تأمين صحي مجاني، أو يقوموا بأنشطة فساد على شكل إستخدام بطاقة تأمين صحي لأشخاص آخرين كالأصدقاء والأقارب، وقد يكون الفساد الذي يرتكبه المرضى بالشراكة مع الأطباء بغرض منفعة شخصية أو مالية للحصول على تقارير طبية مخالفة للوقع توفر لهم تجاوز القانون كالحصول على رخصة قيادة مركبة أو الإعفاء من الخدمة العسكرية، أو الحصول على مكاسب وإعفاءات مالية تقدم للمعاقين، أو بغرض منفعة شخصية أو مالية بتوفير النفاذ لخدمات صحية في قطاعات غير المنتفعين عادة بها.
10) فساد شركات الأدوية والمستلزمات الطبية: يكون الفساد بهذا المجال على شكل اعطاء معلومات غير صحيحة عن منتجاتهم الصحية ونوعية الأجهزة الطبية أو إعادة تغليف منتجاتهم بأسماء معروفة عالميا وتغير بلد المنشأ بهدف الحصول على ربح كبير، أو بتغير تاريخ إنتهاء الصلاحية. قد يقوم المدراء بهذه الشركات بتقديم الرشاوي المباشرة وغير المباشرة للمسئولين عن العطاءات الصحية، وقد تمتد هذه الرشاوي لمشاريع بناء المنشاءات الطبية الكبيرة.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=19775
عذراً التعليقات مغلقة