تعود صناعة التصبير باسفي إلى سنة 1930. وقد تنامت وتكاثرت حتى بلغ عدد الوحدات الصناعية في فترة ذهبية 130 وحدة صناعية، تقوم بتصدير السردين و ” الانشوبا ” و الكابايلا ” وغيرها من خيرات الشواطئ المسفيوية ، بل استغلت تلك المصانع لفترات من السنة في تصبير المنتجات الفلاحية أيضا كالطماطم والمشمش و الكبار. وكان يشغل هذا القطاع أكثر من 30000 من العمال و التقنيين والإداريين . إضافة إلى القطاعات المرتبطة به كالصيد البحري والنقل . وخصوصا التجارة بكل أنواعها التي كانت تعرف انتعاشا ملحوظا في فترة عمل هذه المصانع والتي كانت تسميها العاملات “العفسة”.
غير أن قطاع التصبير بالمدينة ورغم ةقدمه لم يعرف تطورا كبيرا لا على المستوى التقني ولا على مستوى الرفع من الجودة ، الشيء الذي سيعرضه لهزة حقيقية مع القوانين الجديدة للسوق كما فرضها الاتحاد الأوروبي خصوصا بعد انضمام اسبانيا و البرتغال إليه. حيث كان المغرب يصدر بكل حرية لعدة دول ، إلى أن فرضت عليه حصص محددة ، إضافة إلى فرض معايير جديدة ومتطورة على مستوى الجودة.
غير أن هذا المشكل لم يكن بمفرده سببا في انهيار هذا القطاع ، بل أنضاف إلى عوامل طبيعية على رأسها تراجع إنتاج ميناء اسفي من صيد السردين نظرا لارتفاع نسبة التلوث وبداية هجرة السردين نحو الجنوب، الشيء الذي دفع المصانع إلى جلبه من موانئ الصحراء مما رفع التكلفة بشكل ملحوظ وسرع بنهاية جل المعامل.
إن بحثنا عن المسببات القصرية للمشكل لا ينسينا الإشارة إلى ما كان يتسم به القطاع من سوء تسير ، ومخالفات قانونية عديدة كالتهرب الضريبي ، وهضم حقوق العمال بتقليص ساعات العمل المدفوع أجرها والمصرح بها إلى الثلث بل واقل في بعض الأحيان حسب ما يراه “الميسترو” (أو المشرف العام على العمل ) وما يتماشى مع مصالح المالكين . إضافة إلى سوء ظروف التنقل والاستغلال بمختلف أشكاله خاصة تشغيل القاصرين وعدم التصريح بعدد كبير من العمال و العاملات لدى شركة التامين و الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
أما الدولة فلم تحرك ساكنا ، واكتفت بالخطب المناسبتية الفضفاضة . وربما لو أن أزمة هذه الشركات تزامنت مع وجود المقتضيات القانونية المتعلقة بصعوبة المقاولة كما جاءت بها مدونة التجارة المعدلة لسنة 1997 ، ربما كان تدخل القضاء بكل الآليات المتوفرة له سيخفف من حدة ألازمة.
بدأت مظاهر التراجع في أواخر الثمانينات، لتقفل اغلب المصانع ويتم تسريح أزيد من 20 ألف عامل وعاملة في السنوا الأخيرة من القرن الماضي. لا يعمل منهم اليوم في مصانع التصبير أزيد من 3000 شخص ، موزعين بين 5 شركات تصارع من اجل البقاء ، عملت بعضها على تخفيض كلفة الإنتاج بينما لجأت أخرى إلى الاندماج فيما بينها لتتمكن من الوقوف في وجه الأزمة
ونحن نناشد المسؤولين أن يولوا ما تبقى من قطاع التصبير بمدينة اسفي عناية خاصة. باستغلال بنايات المعامل التي تحولت إلى أطلال ، وتشجيع ما تبقى من مستثمرين في القطاع ، وكذا مساندة البحث العلمي لحماية الثروة السمكية. والحفاظ على بيئة المدينة بدلا من الإساءة المستمرة إليها بالمصانع التي تلق نفايات وأدخنة سامة ، فمدينتها ليست مزبلة بيئي
المصدر : https://www.safinow.com/?p=19948
عذراً التعليقات مغلقة