عبد الهادي احميمو *** كلما إقترب فصل الصيف ترتفع درجة حرارة المهرجانات المنظمة هنا وهناك خاصة بمدينة أسفي ، تمتلئ شاشات الشوارع بالإعلانات عن هذه المهرجانات، ويصبح الصيف كله مسرحا لتوالي مهرجانات عديدة قاسمها المشترك هو الشطيح والرديح، ونادرا ما تجد مهرجانا حقيقيا يسعى إلى الحفاظ على الفن المغربي أو الأسفي الأصيل ، أو يسعى إلى إبراز مقومات الشخصية الفنية والثقافية الأسفية ، مهرجانات تُصرف على تنظيمها ملايين الدراهم، إن لم نقل ملايير، أموال طائلة يبقى السؤال حول مصيرها معلقا، خاصة وأن مجموعة من الناس أصبحوا يستغلون هذه المهرجانات للإغتناء الشخصي، ونفخ الحسابات البنكية لهم، فيما أغلب هذه المهرجانات تكون في مستوى دون المتوسط من حيث المواد التي تقدم فيها، وغالبيتها يهمش الفرق الموسيقية والمواهب الأسفية المحلية المبتدئة أو أصحاب الشهرة من خارج المدينة التي تصرف عنهم أموال باهضة ،كان بإمكان المنظمين صرفها على الفنان المحلي الذي لاحولة ولا قوة له بهذه المدينة المحكورة على جميع المجالات ، إن هاته المهرجانت استدعيت أسماء ثمن استضافتها أكثر من بعض المجموعات الأجنبية، التي لا تقدم شيئا غير ضجيج منظم، فتخرج بمبالغ مهمة من هذا المهرجان أو ذاك، وقد يكون حظها سعيدا فتشارك في أكثر من مهرجان لتخرج بصيف جيد ودخل مادي ممتاز.
هذا بالنسبة للفرق الفنية التي تأخد ولا تعطي، أما بالنسبة للمضمون فنجد أن هذه المهرجانات تائهة، وتختار شعارات أكبر مما هو مشاهد، ولا يستطيع أن يفهم أي متتبع للمجال الفني في هاته المدينة من أجل ماذا تنظم هذه المهرجانات، وما هي الغايات الثقافية التي وضعتها كأهداف ترمي الوصول إليها، ولا تراها إلا مهرجانات فيها خليط غير متجانس من الأنماط الموسيقية المختلفة، والتي يكون أغلبها مستوردا ، لتذهب الثقافة والفن الأسفي الأصيل الذي يزخر بالعديد من الفنانين في جميع المجالات في مهب الريح، وحتى لا يثار كلام كثير حول منظمي هذه المهرجانات يستقدمون فنانا أو فنانين غير معروفين فنيا ، لكي يتبجحوا أمام الكاميرات بأنهم لم يقوموا بإقصاء الفن المغربي، فيما الحقيقة المرة أن الفن إو الفنا الأسفي يحتضر منذ زمن خاصة مع دخول الكثير من الأشكال التافهة والغريبة راح عنها زمانها ، لم تعرفها الثقافة الأسفية ، ولا المواطن الأسفي المقهور من قبل، فأزعجت آذانها ، الذين كانوا بالأمس القريب يستمتعون بأغاني الرواد الذين بنوا الفن الأسفي الأصيل في زمن جميل يعز أن يعود في زمن الأكلة السريعة، والأغاني المحسوبة بالثواني وأجزاء المئة، زمن سيندثر إن بقي الأمر على ما هو عليه، وسنأسف كثيرا على ثراث غني نراه ينفلت من أيدينا حبة حبة، دون أن نملك القوة اللازمة، من أجل تخليصه من براثين النسيان والإهمال المقصود وغير المقصود، ولن يكون هذا الأمر إلا بإعادة طرح سؤال الجدوى من كل هذه المهرجانات التي تكرس غالبيتها الأزمة، وتزكي الابتعاد الممنهج عن كل ما هو أصيل ومتجدر في النسق الفني المغربي.
والمسؤول الأول عن هذا الأمر هي وزارة الثقافة وخير دليل على ذلك مهرجان العيطة ، التي يبدو أنه تسير نحو فك الارتباط مع الثقافة وأهل الثقافة لتسمي نفسها وزارة المهرجانات الصيفية ، فوزارة الثقافة تدعم غالبية هذه المهرجانات ولا تقوم بشيء من أجل الوقوف على الأهداف وراء تنظيم كل مهرجان على حدة، فتهدر أموال مهمة تحتاجها الثقافة الحقيقية المغربية التي تعاني من التهميش والإهمال، الثقافة هي كل الثراث، هي المعرفة هي الفن والأدب، هي كل ما من شأنه أن يبعث الذاكرة ويحييها، ويجعلها راسخة في أذهان الأجيال، وليس تمويل مهرجانات، تقترب من أن تجعل الناس والشباب على وجه الخصوص عبيدا لانماط موسقية دخيلة، وتذهب بألبابهم وتغيب عنهم ثقافتهم الأصيلة، وفنهم المتجدر، ومن تسأله من شباب اليوم وكنتيجة لهذا الفصل غير الطبيعي عن الهوية الأصيلة للمغاربة، من تسأله عن رائد من رواد العيطة الأصيلة ، لن يعرف بطبيعة الحال، ولن يكون إلا مستهزءا من هذه الأنماط التي تحيل إلى قيلولة وسط النهار وإلى النوم بكل حمولاته الكبرى من الخمول والكسل، فوازارة الثقافة كان الأجدر بها، ويجب أن يجدُر بها، أن تنظم وتساند المهرجانات التي تراعي وتحترم القيم الموسيقية والفنية للذاكرة الأسفية بصفة خاصة و المغربية بصفة عامة ، وتعمل من خلال هذه المهرجانات على تحسيس الشباب بالدور العظيم الذي قام به فنهم الأصيل من أجل الحفاظ على موروث كبير من القيم السامية التي تقترب من الانقراض بسبب الإهمال،لهذا نتساءل أين نحن من زمن الحامونية بنت الحسين الحسناوية الدعباجي وأعويسة الذي توفي مؤخرا . ولا يجب أن يفهم هذا الكلام أنه تحامل على نمط معين من الفنون، بقدر ما هو غيرة على فن أصيل فن العيطة الدي يسير نحو النهاية على مرأى ومسمع من جميع أبنائه، وبإيعاز ومسانذة من بعضهم، لاعتقادهم أنه يمثل التخلف والرجعية، والقيم الماضوية، فيما يزكون ويدافعون عن قيم شعوب أخرى، أو مجموعات بشرية جمعت أشياء غريبة فسمتها فنا فصدقها الناس، فيما هي بعيدة عن الفن بعد السماء عن الأرض.
من جانب آخر تبقى المبالغ المالية التي ترصد كميزانيات لنوعية المهرجانات الفاشلة التي تحدثنا عنها مثيرة للاستغراب والتساؤل، فكم من مدينة مازال فيها السكن الصفيحي جاثما على قلوب الناس، تنظم مهرجانات بملايير السنتيمات، وبمبالغ قد تخرج أحياء كاملة من وضعية مزرية يعيشونها في دور صفيح لا ترحم، فهل نحن ملزمون إذن بتنظيم كل هذه المهرجانات في ظل مشاكل اجتماعية ليست وليدة اللحظة، مهرجان الكبار والعيطة والبحر وكناوة ومزال العاطي يعطي ، بل هي أعرق وأقدم من كل هذه المهرجانات أليس من الأفضل أن نحتفظ بمهرجانات مميزة معدودة على رؤوس الأصابع ، والحفاظ على أنماط فنية متجدرة في تاريخ الشعوب والجماعات البشرية، أليس من الأفضل أن توجه أموال المهرجانات التافهة لتوعية الشعب، وبناء المكتبات، وخلق الورشات العلمية، وتنظيم مسابقات كبرى في جميع أصناف الإبداع من رسم ومسرح وسينما والبنية التحية و إصلاح المنضومة الصحية ويحترم خلفياتها المتجدرة في التاريخ حينها يمكن لنا أن نتحدث عن شيء إسمه الثقافة بكل ما للكلمة من معنى.
وحتى لا تبقى هذه الأسطوانة مكررة كل سنة، يلزم على الوزارة المعنية بالشطيح والرديح أن تقلص منه قليلا، وأن توجه نفسها لخدمة كلمة سامية عظيمة، إسمها الثقافة.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=20522
عذراً التعليقات مغلقة