آسفي.. عبق الحضارة وظل التاريخ على الجغرافيا

آسفي.. عبق الحضارة وظل التاريخ على الجغرافيا

-أسفي الأن
الشأن المحلي
-أسفي الأن3 سبتمبر 2024آخر تحديث : الثلاثاء 3 سبتمبر 2024 - 1:51 مساءً
images - بشرى كنوز *** جولتنا اليوم في مدينة تاريخية، من أقدم مدن المغرب وأكثرها أهمية، تعتبر متحفًا أثريًا طبيعيًا لما فيها من معالم وأوابد أثرية مهمة، إنها مدينة آسفي، أغنى المدن الأثرية التي ازدهرت فيها الحضارات المختلفة التي مرّت على المغرب، بناها الأمازيغ وسكنها العرب واحتلها البرتغاليون وأحبها الفرنسيون، إنها مدينة حيرت الدارسين والمحبين لها، هي مربط القارات ومعبَر الرحلات ورمز للحضارة والمدنية والسلام، إنها بتعبير أفلاطون المدينة الفاضلة.

آسفي واحدة من أجمل المدن المغربية، التي وصفها الرحالة والمؤرخ المغربي”ابن بطوطة” بمدينة السمك والخزف وحاضرة المحيط، وتبعد عن العاصمة الاقتصادية بنحو 236 كيلومترًا تقريبًا، ولها طرق تذهب إليها إما عن طريق الساحل انطلاقًا من الجديدية مرورًا بالوليدية ثم إليها، والطريق الآخر عن طريق الخميس زمامرة وزاوية إسماعيل، ثم ثلاثاء بوكدرة ثم آسفي.

3 -

آسفي عبر التاريخ

مدينة آسفي

يعود اسم آسفي إلى اللغة الأمازيغية، وهناك اختلاف في تفسيره، فبعض الباحثين فسروه على أنه “أسف” أو “المصب” التي تعني مجرى مائي، وبالفعل فإنها مدينة يخترقها وادي الشعبة (أسيف) ويصب فيها، والبعض الآخر فسر الاسم على أنه “منارة الضوء”، وربط الإدريسي أصل اسم المدينة في كتابه المشهور نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”  بقصة فتية سماهم المغررين، خرجوا من أشبونة (لشبونة) وركبوا البحر المظلم ليقفوا على نهايته فوصلوا إلى موضع أسفي، ولما رآهم جماعة من الأمازيغ، وعرفوا أمرهم، قال زعيمهم وا آسفي تحسرًا على ما قاسوه فسمي المكان بتلك الكلمة.

وقد ظلت ذكرى الفتية المغررين محفوظة في ذاكرة لشبونة، يشهد عليها حي سمي باسمهم، بيد أنه من الجدير التنبيه إلى أن القصة المتعلقة بهؤلاء الفتية لم ترد عند الإدريسي في معرض ذكر آسفي، وإنما اكتفى بالإشارة إلى علاقة اسم هذه المدينة بتلك القصة، وقال إنه سيذكرها في مكانها اللائق، ويجوز على هذا الأساس أن نفهم أن صحة علاقة هذه القصة بآسفي أو عدم صحتها، لم تكن محط نظر هذا الجغرافي الفذ، وإنما كان اهتمامه منصرفًا لما هو أعظم من ذلك، وهو قصة الكشف الجغرافي عامة والبحري خاصة.

وتقع مدينة آسفي على ساحل المحيط الأطلسي، بين مدينتي الجديدة والصويرة، وأراضي الإقليم تغطي مساحة 6344 كيلومترًا مربعًا، وتتميز المنطقة نسبيًا بتضاريس منبسطة، لا يزيد ارتفاعها عن سطح البحر إلا بـ500 متر.

4 -

واختلف الباحثون والمؤرخون في أصل نشأتها وعلى يد من تم بناؤها، فمن قائل إنها مدينة بربرية، وقائل إنها مدينة فينيقية، وقائل إنها مدينة كنعانية، وقائل إنها مدينة إسلامية، وآخر أنها مدينة إفريقية، غير أن المتعارف عليه تاريخيًا أن منطقة آسفي كانت مسكونة منذ القدم من طرف قبائل مصمودية بربرية، وفي هذا المجال يشير ابن خلدون إلى أن استقرار البربر بالمنطقة كان منذ أحقاب متطاولة لا يعلم قدرها إلا الله، وكانت آسفي مركز إشعاع حضاري وثقافي وعلمي، ومركزًا للعديد من الدويلات الإسلامية، وأشهرها الموحدين والمرينيين، حيث عرفت في عصرهم حركية علمية وأدبية متميزة، وقد اتسعت دائرتها في القرن الثامن الهجري من خلال زيارة اثنين من الأعلام خلداها بكلام يعطينا صورة جميلة عن المدينة، يتعلق الأمر بلسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله المشهور بابن الخطيب السلماني، وكذا بأبي العباس بن حسن القسنطيني المشهور بابن قنفذ.

خَبَرت آسفي الشأن البحري قديمه وحديثه وأهواله وفنونه وعلومه، فهو قطاع حيوي بالنسبة لسكان آسفي الذين تعلموا أصوله وورثوها لأبنائه

جاء ابن الخطيب إلى آسفي، فبهرته بجمالها وصفاء بيئتها ووعي أهلها، وبذلك وصفها من الناحية العمرانية والحضرية قائلاً: “وعليها مسحة من قبول الله، وهواؤها أطيب أهوية البلدان…”، ثم يضيف وصفًا مسجوعًا في مدينة آسفي بقوله: “لطف خفي وجناب خفي ووعد وفي، ودين ظاهره مالكي وباطنه حنفي، الدماثة والجمال والصبر والاحتمال والزهد والمال والسذاجة والجمال، قليلة الأحزان، صابرة على الاختزان، وافية المكيال والميزان، رافعة اللواء بصحة الهواء، بلد موصوف برفيع ثياب الصوف، وبه تربة الشيخ أبي محمد صالح، وهو خاتمة المراحل لمسورات ذلك الساحل”.

أما ابن قنفذ القسنطيني، فقد وصف هو الآخر مدينة آسفي في كتابه “أنس الفقير” قائلاً: “وهذا البلد آخر المعمور في الأرض من الجانب الغربي، ويرده أهل الله تعالى”، وهكذا يبدو من خلال كلام هذين الأديبين الكبيرين ما كان بمدينة آسفي من حركة علمية وثقافية خلال القرنين السابع والثامن الهجريين.

 

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة