

و أنا اتحشر يوميا المسافات بين حي نجاح الأمير وشارع الرباط كنت أحاول أن يتفتح وعيـي الرياضي والفني و السياسي حيث طرحت عشرات الأسئلة الوجودية وتفاعلت مع ما يجري في البلاد وفي العالم من احتقان منذ زمان ، و هكذا اعتقدت في الأول أنني سأبني مستقبلي بمدينة السمك والفوسفاط والفخار المدينة التي تستهوي السياح ومُحِبّي المآثر التاريخية و الرياضات الفسيحة متناسيا أنه تم اغتيال حاضرة المحيط على يد أصحاب الضمائر الميتة قبل أن أكتشف أنها بسبعة أرواح، وكل ما في الأمر أنها تغير جلدها ببراعة الأفعى مع كل الإستحقاقات الإنتخابية.فمدينة آسفي التي تعتبر مسقط العقل والوعي والقلب والروح. إنقلبت موازينها و أصبحت مغضوب عليها إقتصاديا سياسيا ثقافيا و إنسانيا .
ففي بداية مشوارنا الدراسي كنا طلابا حالمين، نقضي وقتنا بين الشعارات و دراسة القوانين و الفصول و المداخل لكن خيبات الأمل تركت في نفوسنا جرحا عميقا نحاول كل يوم نسيانه . وجوه زملاء الدراسة اختفت، جرفتها ثقوب التاريخ السوداء، لكن الأمكنة مازالت هي الأمكنة ، المدينة العتيقة لأسفي بأسواقها وروائحها ودروبها الضيقة، الرصيف باب الشعبة وشارع الرباط و دار الشباب تراب الصيني و سينما الاطلس والروكسي رويال والحسنية وقصر البحر أيام زمان… فم منكم لا زال يتذكر محطة الكشاف السريع وستيام ومحطة الحافلات بالكدية، والأحياء التي يتوسع فيها العمران على أطراف مدينة مازالت أسوارها الشامخة صامدة منذ قرون مع أبوابها الكثيرة: في كل شبر من آسفي معلمة تاريخية.
الأماكن لم تتغير، ساحة باب الشعبة وسيظي بودهب مازالت تصنع فيها الفخار رغم التراجع المهول في الإننتاجية بسبب الظروف الاقتصادية للمدينة ومقهى الباهية و مقهى البريد ” la poste”، حيث كان يجتمع السياسيون أيامَ كانت السياسة سياسة.
اسفي مدينة تتبدل ببطء شديد، بالمقارنة مع شقيقاتها المجاورة لها ك مراكش والجديدة و الصويرة ، رغم أنها تملك من المؤهلات الاقتصادية والسياحية ما لا يوجد في المدن الأخرى. شيء ما يجعل المدينة مغضوب عليها، أو لا تحظى بما تستحقه من اهتمام في أقل تقدير، ولعل التقسيم الجهوي ، أكبر دليل على الظلم الذي تتعرض له المدينة. لو كانت اسفي من يدافع عنها في مراكز القرار، مثل مراكش والرحامنة، لما ارتكبت في حقها هاته «الجريمة» الإدارية و عقابها برؤساء مجالس جماعية يتحاملون على المدينة و عدم تحركهم لاستقطاب مستثمرين تاركين الوضعية تتأزم يوما بعد يوم .
لو وجدت آسفي أبناء بررة لصنعوا المعجزات من هذا التراث الإنساني الاستثنائي، لكن معظم الأسفيين الذين وصلوا إلى الوزارات والإدارات ومراكز القرار انشغلوا عن مدينتهم بأشياء أهم، من قبيل تدبير مصالحهم الشخصية وتسمين ثرواتهم و ثروات عائلاتهم. عندما نرى كيف تحولت مدينة صغيرة بمؤهلات بسيطة، مثل اخريبكة مراكش اكادير و غيرهم إلى مدن بسمعة عالمية، لا يسعنا إلا أن نتحسر على مصير حاضرة المحيط التاريخية.
ومن حق ساكنة آسفي و تجارها و مهنييها و فعالياتها الجمعوية و إعلامها أن يسائلوا المسؤولين عن عدم التدخل بجدية للنهوض بأوضاع المدينة و استقطاب الاستثمارات التي تذهب إلى مدن أخرى نتيجة تحركات رؤساء الجهات و رؤساء المجالس الجماعية والبرلمانيون و توفير الأوعية العقارية و تخفيض الضرائب و تسهيل المساطر الإدارية عكس مدينة كنا نعتقد أنها تمرض و لا تموت لكن الهجرة القروية و سوء الظروف الاجتماعية و الاقتصادية قتلت أمال معظم الاسفيين الذي أصبحوا يفكرون للهجرة إلى مدن منتعشة للبحث عن حياة كريمة تقيهم عذاب آسفي و مسؤوليها .
المصدر : https://www.safinow.com/?p=21139
عذراً التعليقات مغلقة