تميز الفنان الكريمي بأسلوبه السلس والبسيط الذي إعتمد كوميديا تقليدية، أخد مبادئها الأولية من التجمعات المسائية لأبناء الدوار، في زمن كانت فيه الفرجة مفقودة وجهاز التلفاز نادر …فبزغ نجمه بين أقرانه في الإحتفالات والأعراس المحلية، قبل أن تشده الحلقة وتأسره فنونها، وهو الذي كان لا يفوت فرجتها ومجالسة روادها .
نجح الكريمي في لفت أنظار بعض الحلايقية الذين كانوا يتجولون في الأسواق الأسبوعية يعرضون نكثهم وقصصهم في الحلقة التي كانت تستقطب الفلاحين والأطفال الباحثين عن الفرجة المفقودة. قبل أن يصبح أحد أبرز الحلايقية بالمنطقة.
اعتمد الكريمي أسلوباً جديداً في فن الحلقة كسر من خلاله نمطيتها المعهودة كفصاء له قدسيته إرتباطاً بالخطاب المتدوال لدى الكثير من الحلايقية (الرمى، الشريف، قصة علي ….) ومهما كانت طبيعة المواضيع التي يشتغل عليها الحلايقي في الأسواق الأسبوعية فإنها لا يمكنها أن تتجاوز الطابوهات المعروفة، مع إحترامها لطبيعة المجتمعات القروية المحافظة. إلا أن الفنان الكريمي حطم هذه القيود وأطلق العنان لخياله ولغته متجاوزاً مختلف الطابوهات في المادة التي يشتغل عليها بشكل جعل منه نموذج الحلايقي المتمرد.
هذا ما جعل البعض يصنف كوميديا الكريمي في ما يسمى بالكوميديا السوداء وهي نوع من النقد والهجاء الذي يتناول موضوعات تندرج ضمن الطابوهات التي يمنع الخوض فيها علانية بسبب الدين أو التقاليد … حيث يتم توظيفها بشكل فكاهي وساخر مع الاحتفاظ بالمغزى من التوظيف…فرغم السخرية اللاذعة التي يتناول بها الكريمي مثل هذه الطابوهات فإنه ينهي عرضه برسالة تتخذ عدة تمظهرات.
اشتغل الفنان الكريمي بشكل كبير على قضايا الهامش، وموضوعات تنتمي إلى القرية،مع التعبير عنها بلغة بسيطة بدوية شيظمية، وفي نفس الوقت يوظف شخصيات هامشية تنتمي معظمها إلى عالم القرية والداور مع التركيز على موهبة التقليد التي ميزت الكوميدي الكريمي، وهكذا نجده يقلد العجوز والمرأة الشابة …. فكان ينجح في رسم الابتسامة على وجوه متابعيه.
كما تميز بإستثمار جسده بشكل ناجح من خلال توظيف حركات وقسمات الوجه لخلق شخصيات وتقليد الأصوات…
ارتبط الفنان محمد الكريمي طويلاً بفن الحلقة، وذاع صيته في منطقة الشياظمة ومدينة الصويرة حيث كانت عروضه بباب دكالة تستقطب جمهوراً عريضاً من مختلف الأعمار أطفال وشباب وشيوخ كلهم كانوا ينسون ولو إلى حين أعمارهم ووضعيتهم الإجتماعية، فكان الفنان الكريمي يرغمهم على القهقهة والضحك الهستيري لأنه كان يمارس عليهم سحره ، بالسخرية من مشاكلهم وآلامهم وواقعهم المستعصي.
لكن شهرة الكريمي ستتجاوز مدينة الصويرة وإنزكان إلى باقي مدن المغرب مع الأقراص المدمجة بعد تسجيله لعروضه وتوزيعها. ورغم أن التحول الجديد في المسار الفني للكريمي فرض عليه التنازل عن تلقائيته المعهودة، وضبط لغته ومواضيعه إلا أن نجاحه إستمر وإزدادت شعبيته و كان دائم الحضور في الأعراس والمهرجانات…
جسد الكريمي ببساطته وبدويته كوميديا الهامش التي شكلت بداية الكوميديا المغربية قبل أن تغترب وتتيه في عالم التقليد .
منشور للأخ عزالدين زريويل
المصدر : https://www.safinow.com/?p=9791
عذراً التعليقات مغلقة