حدائق آسفي بين الأمس و اليوم

حدائق آسفي بين الأمس و اليوم

-أسفي الأن
2019-01-14T08:19:25+01:00
الشأن المحليمثبت
-أسفي الأن29 أغسطس 2018آخر تحديث : الإثنين 14 يناير 2019 - 8:19 صباحًا
jardin khouribga1 557136815 -

محمد افنوني// تعد آسفي من أقدم المدن المغربية  و أغناها إرثا تاريخيا و عمرانيا و حضاريا . كان يقصدها الشعراء و الأدباء من كل حدب و صوب لأنها كانت بالفعل أيقونة الأطلسي و حاضرة المحيط حسب تعبير ابن خلدون ، لقد كانت مكانا مفضلا للراحة و الاستجمام و الترويح عن النفس للكثير من الأمراء و السلاطين و خاصة السعديين  منهم، وكانت أيضا ملاذا روحيا للكثير من أهل الزهد و التصوف و مريديه ، فلا غرابة أن تتحول إلى أكثر المناطق المغربية التي تضم عددا مهما من أضرحة الأولياء الصالحين ، و مع مرور الوقت أضحت مدينة تضم عددا لا يستهان به من التمثيليات الديبلوماسية للدول الغربية ،هذا الاستقطاب البشري و الروحي  النوعي يجعلنا نطرح السؤال التالي : ما هي مميزات آسفي الطبيعية في الازمنة الغابرة التي  جعلتها تحضى بشرف الاقامة فيها لكل هؤلاء السلاطين و الأمراء والكتاب و الشعراء و أهل الزهد و التصوف و الديبلوماسيين ؟

فإضافة إلى المكانة الاقتصادية والاستراتيجية و الروحية  التي كانت تحضى بها مدينة آسفي في الأزمنة الغابرة ، يعد العامل البيئي و الطبيعي عنصرا هاما في استقرار الكثيرين ، لقد كانت فعلا مدينة “الجنان” و “السواني” و “العراسي”و “البيار” و المنتزهات و الحدائق الجذابة  ، وقد لا نجاوب الصواب إذا قلنا ،أن المؤهلات البيئية كانت من العوامل الأساسية لاستقرار عديد من الأجناس البشرية بهذه المدينة التاريخية التي كانت في السابق قاطرة تجارية و ديبلوماسية بامتياز .

حال مدينة آسفي اليوم من الناحية البيئية و الطبيعية يبعث على الأسى و التحسر ،مدينة تحطم الأرقام القياسية من حيث التلوث ، غلافها الجوي يعج بالغبار و الأتربة المتناثرة من  الميناء و معامل الجبس و مطاحن المغرب … و مليئ بالغازات السامة المنبعثة من المركب الكيماوي و مداخن أفرنة الفخار التقليدية و من بعض ما تبقى من معامل تصبير السمك ،هذه التحولات التي عرفتها المدينة لم تواكبها مقاربة بيئية شجاعة و واضحة المعالم أمام الزحف العمراني الخطير الذي لا يخضع لضوابط  طبيعية و بيئية  ملحوظة ،بل و الأقبح من ذلك فالحدائق ذات العمق التاريخي لم يتم الحفاظ عليها على النحو المطلوب ، بل انمحت كثير من معالمها و أصبح معظمها كأنها بدون هوية و بدون عمق تاريخي؛ من ذلك ،على سبيل الذكر لا الحصر، الحديقة المجاورة لدار السلطان و حديقة “جنان فسيان” التي توجد على مشارف وادي الشعبة ،حيث يتولد لديك إحساس عند الإطلالة على هذه الأخيرة أو زيارتها؛ أن السياسة الاستعمارية  الفرنسية  كانت أرحم بالمدينة من الناحية البيئية فــ “ليوطي” كان يعي تمام الوعي أهمية الحدائق و المنتزهات في التنفيس عن ضغوطات الحياة اليومية التي تعيشها الساكنة في زمن الحماية ،لذا جلب لها أجود الأغراس و النباتات و زينها  بأجمل “الديكورات” الرخامية و الحديدية، فكانت بحق من أحسن الحدائق الوطنية التي كانت تبهر زوارها و عشاق البحر و الطبيعة، أما اليوم فقد أضحت مرتعا آمنا للسكارى و المتسكعين و لقضاء الحاجات الخاصة، ،ممراتها تبعث على الشفقة ، أزبال هنا و هناك ، نصف بابها الرئيسي تعرض للتخريب و السرقة  ، و لا توجد بها أية لوحة أو إشارة  تؤرخ لماضيها الزهي  لتعيش بذلك على وقع الإهمال والنسيان .

لقد كانت آسفي بالأمس مدينة جميلة نالت إعجاب الكثيرين من زوارها الذين افتتنوا بطبيعتها الساحرة المشفية من العلل  أو حسب تعبير لسان الدين بن الخطيب كانت “رافعة للداء بصحة الدواء”و بعذب مياهها السائغة كالقرقب بينما تحولت اليوم إلى مقبرة بيئية للأحياء الذين أصيبوا بكل أصناف العلل لا يعلم حجمها إلا الله و التي تتكثم حولها الدراسات و التقارير البيئية و الصحية الرسمية. مدينة أتى عمرانها على الأخضر و اليابس ، دون مراعاة صحة الإنسان ، لأن التهيئة الحضرية و في المجالس السابقة كان هاجسها عقاري أكثر مما هو بيئي  و صحي ،إذ لا وجود لمساحات خضراء و حدائق تسر أبناءها و زوارها و تليق بمدينة تعيش بها ساكنة تقدر بحوالي 400ألف نسمة، و يعد من المخجل و العار أن تجد ساكنة تزيد عن 100ألف نسمة لا توجد بها حديقة واحدة بالمواصفات الطبيعية المطلوبة و أقصد  ساكنة أحياء ” أوريدة “و” الكورس” و “البيار” و” القليعة” و” العريصة” و “الزاوية” و “كاوكي” و “الغفيرات” و هي الأكثر عرضة للتلوث البيئي  و حتى المساحات الخضراء المتواجدة لا تدخل في حسابات المسؤولين و أقصد ، بالخصوص ،غابة العرعار رئة شمال آسفي التي ساء حالها و تحولت إلى  مكان تفرغ فيه الأزبال و بقايا مخلفات البناء للأحياء المحيطة أمام أعين السلطة و القائمين على الشأن المحلي.

إن آسفي اليوم تعيش أسوأ  فترة في تاريخها ،تغيرت كثير من معالمها؛ مدينة تعاقب على شأنها المحلي  في السنوات الأخيرة مضاربون عقاريون براغماتيون هاجسهم الربح المادي السريع و الاغتناء الفاحش ،فكان لهم ما أرادوا ،على حساب صحة أبنائها ، ففضلوا إقبارها و خنقها بإسمنتهم المسلح الكاسح الذي ينبث كل يوم كالفطر دون أي مقاربة بيئية شجاعة تذكر.

رابط مختصر

اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات