إعداد :محمد افنوني**الابتسامة المعبرة لا تغادر محياها ، و التواضع من سمات طبعها الأصيل ، رقيقة المشاعر ، فياضة الأحاسيس، حركاتها تشبه إلى حد بعيد حركات الطفلة المدللة ، قلم الكتابة يلازم يدها باستمرار، تعيش وسط بيت فني بامتياز، اللوحات التشكيلية لزوجها المرحوم عبد النبي كرولة موضوعة و متسمرة في كل ركن و مكان ، مولعة بالشعر منذ طفولتها عززته بالصقل و التمحيص و المراس و التدقيق عبر دراستها الإعدادية و الثانوية و الجامعية ، بل ظلت على نفس المنوال إلى يومنا هذا ،اهتمت، أيضا، بالكتابة المسرحية للأطفال و انخرطت فيها بكل صدق و حب عميقين ،واعية تمام الوعي بشحها و ضعفها و قلة الاهتمام بها وطنيا، فوهبت لها من وقتها الكثير ، و لا زالت، لتعطيها حقها ،فكتبت و أجادت و أتقنت و تفننت فيها، إنسانة طموحة ، ملحاحة ، عنيدة و غيورة على هذه الأجناس الأدبية، تعشقها إلى حد الجنون و الهوس، حولتها الكتابة الشعرية و المسرحية إلى كائنة ليلية بامتياز، لتجعل منها ملاذا مريحا للقضاء على الوحدة القاتلة و رتابة الحياة المملة و خاصة بعد وفاة شريك عمرها الذي كان عاشقا لها و للكتابة المسرحية بشكل مميز و للفن التشكيلي الاحترافي بشكل لافت تعكسه مشاركاته الواسعة في عدة معارض وطنية حيث بيعت لوحاته الأخاذة في كل مكان، إلى أن يد المنون اختطفته في غفلة من زوجته و أبنائه جلال و المهدي وأصدقائه و محبيه.
تحولت حياة الأسرة رأسا على عقب، لتعيش فترات عصيبة و مريرة، جعلت الكاتبة و الشاعرة لطيفة زمهار في محك تحديات صعبة و نوعية ، سرعان ما تجاوزتها بالوفاء لطموحات و أماني زوجها المرحوم بتجميع و نشر ديوانه الزجلي “باقي في الخاطر ما نقول”، و إصرارها الدائم على الإخلاص لخط الكتابة الذي اختارته عن حب و قناعة حيث وقعت مؤخرا كتابها المسرحي المميز “مقبرة الضباع” بالثانوية التأهيلية ابن تومرت بالبيضاء ، و نظرا لأهمية الكتاب و قيمة محتواه و ضعف الكتابة المسرحية المهتمة بعالم الطفل، وافقت وزارة الثقافة و الاتصال على توقيع الأستاذة لطيفة زمهار لكتابها الشهر الماضي بقاعة ابن رشد بالمعرض الدولي للكتاب و النشر و الذي تفاعلت معه وسائل الإعلام بشكل ملفت ، و في ذلك اعتراف صريح من طرف القائمين على الشأن الثقافي و الإعلامي بثراء و غنى محتوى هذا الكتاب و تميزه عن غيره من المؤلفات المقترحة على الوزارة، مما زاد من طموحاتها لتسويقه خارج التراب الوطني و رغبتها في إدراج مسرحياته ضمن المقررات الرسمية لبعض الأقطار العربية.
بعد وفاة سندها القوي عبد النبي كرولة و شريك عمرها و المتيم بعشقها، وجدت الكاتبة و الشاعرة لطيفة زمهار في أبنائها جلال و المهدي الدعم اللازم في تدبير المرحلة العصيبة و هي الفترة التي تكالب فيها البعض لاقتناص الإرث الإبداعي للزوج المرحوم و الكتابات الثرية للزوجة الأرملة باحثين عن مخرج لإفلاسهم التجاري، كما أن تشجيع الكثيرين لها على الاستمرار في الإبداع، زاد من عزيمتها في العطاء الغزير لخدمة الطفولة و الشعر، كما أن بعض المهتمين و المواكبين لإبداعاتها و تشجيعهم لها باستمرار زاد من ثقتها بالنفس و إيمانها العميق أنها في مأمن من بعض الانتهازيين و المتزلفين و المرتزقة من إبداعات الغير.
لقد وجدت لطيفة زمهار في الدكتور عبد اللطيف ندير، على سبيل الذكر لا الحصر، الرجل الباحث و الأستاذ الجامعي ذو الرصيد الغني في الكتابة المسرحية خير داعم لطموحاتها المشروعة ، فهي لا تتردد في التشاور معه في كل صغيرة و كبيرة و كان بمثابة المرجع النصوح و الأخ الخدوم و الصديق المؤمن بقدراتها الخارقة و المصاحب الوفي لها في عدة محافل ثقافية، حيث ساعدها بإخلاص في تذليل صعاب نشر و توزيع إبداعاتها و مؤلف زوجها المرحوم.
لقد تحولت الكاتبة و الشاعرة لطيفة زمهار بحق إلى قاهرة للعزلة ، مكنتها ابداعاتها و الكتابات الزجلية لزوجها المرحوم من سفريات كثيرة؛ أبرزها مراكش و البيضاء و أكادير و الرباط و مكناس ، عرفت من خلالها بعصارة إبداعاتها الشعرية و كتاباتها المسرحية، و كان الاعتراف الأكبر من وزارة الثقافة و الاتصال، حيث كانت مع موعد هام مع التاريخ الابداعي لتعرف و تعبر للحضور من المهتمين و وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها عن حبها العميق و عشقها الكبير لعالم الطفولة و الذي أغنت رصيده و خزانته بكتابها النفيس الصادر مؤخرا “مقبرة الضباع” و الذي يضم بين دفتيه أربع مسرحيات ترفيهية سيكون لها ، بدون شك ، وقع على طفولتنا المهمشة إلى حد كبير من الكتابة المسرحية.
هذا هو عالم الشاعرة و الكاتبة لطيفة زمهار، تعمل في صمت و بتفان و إخلاص و بحب و قناعة كبيرة ، تشق طريقها الإبداعي بأمل كبير في غد باسم و زاخر بالعطاء ، أملها أن تكون من أكبر الكاتبات الرائدات للكتابة المسرحية المهتمة بالطفل وطنيا و عربيا، و تعتبر نفسها ،باستمرار، أنها لا زالت في بداية المشوار.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=2839