يتناول فيلم “ولولة الروح” 2018 لعبد الإله الجواهري، “قصة إدريس، الطالب السابق في شعبة الفلسفة بكلية الآداب بالرباط، والمناضل اليساري ضمن الحركة الطلابية الذي التحق بسلك الشرطة، حيث عُين الشاب بمدينة خريبكة، وهناك سيصطدم بواقع اليسار والنضال، وتصبح من مهامه ضرورة اعتقال بعض رفاقه من المناضلين اليساريين، وفي الآن نفسه، يتعرف على الشيخ الروحاني وعشيرته الشيخة الزوهرة، ليكتشف معهما فن العيطة ومعاني الحكمة والوفاء للمبدأ”.
حصل الفيلم على جائزتين في مهرجان الإسكندرية، أكتوبر 2018، هما جائزة أحسن سيناريو للكاتب عثمان أشقرا وجائزة أحسن أداء نسائي للسعدية باعدي. بالنظر لمحتوى “ولولة الروح” فهو فيلم غنائي تاريخي بوليسي عجائبي لأن الموتى فيه يعودون للحياة بعد تحقيق بوليسي طويل فيركبون الحافلات من جديد.
“ولولة الروح” الروائي الأول للمخرج، فيلم وثائقي في جوف فيلم تاريخي، يقدم مشاهد ووقائع من مغرب سبعينات القرن الماضي، حاول تقديم فرجة وتوثيق حياة في منطقة ساخنة، وثق فن العيطة دون أن يُتمم المشروع لأن صاحبه اعتقل. والمغنية قتلت. فما الموضوع في النصف الثاني من الفيلم؟
مغني ومغنية يظلان جالسين ويفترض أن المغنية زوجته أو عشيقته دون أن يسري بينهما أي تيار عاطفي مباشر أو مضمر.
أستاذ يُعتقل، رجل أعمال متحذلق، بواب يتفاهم مع كلبه فقط، قتيلة لم تلتق أيا من هؤلاء، مغن صامت طيلة الفيلم معتكف في بيته يعُد النجوم، ضابط سكير يتكيف مع كل الأمزجة. لا تشبيك ولا تقاطع ولا حوار ولا صراع بين هذه الشخوص. كل شخصية تنفرد بمونولوج خاص بها، فتتعدد الشخصيات ولا يظهر بعين من تسرد أحداث الفيلم، ولا من هي الشخصية الرئيسية التي تتبعها الكاميرا. هناك سبع شخصيات تظهر في نفس المساحة الزمنية تقريبا في تسعين دقيقة. الشاب الذي أدى دور الضابط لم يحصل على مساحة كافية. حسب المخرج المكان هو بطل الفيلم.
في الفيلم خطوط متوازية متساوية تقريبا من حيث المساحة الزمنية حتى أنه يصعب تحديد الشخصية الرئيسية. يبدو أن هناك شخصيات ثانوية مثل الحارس وكلبه تظهر بكثافة أكثر من البطل. المغنية القتيلة تركب الحافلة وتسافر في آخر الفيلم وتفسير المخرج أنه بالنسبة له لم تمت.
لا توجد سلسلة أفعال يؤدي بعضها إلى بعض، والأموات يعودون للحياة. يربك هذا التداخل منطق فهم النوع الفيلمي.
فيلم تغطي فيه الشخصيات الثانوية على الشخصيات الرئيسية وتغطي فيه التعاليق والقفشات الجانبية على الحوار الدرامي. هناك جمل كثيرة لا تبني الحدث بل هي مجرد تعليقات هدفها إضحاك الجمهور، جيد، لكنها غير ذات صلة بالقصة. بل في مرات كثيرة تبطئ وتعطل الحدث، مثلا في زيارة المغنية الزهرة للضابط، ومحاورة زوجة الحارس للكلب وملاحظات الضابط الكهل في المقهى وهي حوارات غير درامية…
المكان هو البطل
جوابا على ملاحظة أن الشخصيات الثانوية في الفيلم تغطي على الشخصيات الرئيسية بدليــــــل أن حسن باديدا وكلبه يظهران أكثر وضوحا من البطل، رد الجواهري: ليس لدي بطل في الفيلم، المكان هو البطل.
وفي الندوة الصحافية التي تلت عرض الفيلم في مهرجان طنجة، مارس 2018، صرح عبد الإله الجواهري أن فيلمه دخل تاريخ السينما المغربية منذ عرضه الأول لأنه تناول فن العيطة. وطلب المخرج من الذين انتقدوا فيلمه مشاهدة الفيلم مرة ثانية للتأكد من إبداعيته ليقوم هؤلاء النقاد بنقد ذاتي بسبب الانتقادات التي وجهوها للفيلم.
من جهته أكد السيناريست عثمان أشقرا أن للفيلم بنية التراجيديا اليونانية. وأضاف ليصحح ما سماه عدة أوهام لدى النقاد ومنها: أن الاختفاء خلف الإنساني وهم، فالموجود هو الفرد المنغرس في جذوره المحلية. والتجريد لا يصنع العالمية والكونية، بل تصنعه الفضاءات المحلية لأن الجذور هي المنبع. وفيلم “ولولة الروح” يكشف هويته، يكشف مكانا وزمانا. لا داعي للاختفاء خلف الغموض لبلوغ العالمية.
السائد في المغرب أته نادرا ما يدوم التوافق بين المخرج وكاتب السيناريو. فغالبا إذا نجح الفيلم يقول السيناريست إن ما كتبه قوي، وإن فشل الفيلم يسارع للقول إن المخرج لم يحسن تحويل السيناريو إلى فيلم وإنه أجرى تغييرات مخلة. أما في حالة التعاون في “ولولة الروح” فرواية المخرج حينها أن السيناريست ما أن شاهد الفيلم حتى “هنأني وقبلني”. فهنيئا لهما بالسلام المستتب بينهما.
على أفيش الفيلم صورة رفيق يرفع أكف الضراعة إلى الله، وآخر يحب الأغنية الشعبية (العيطة). الفيلم التخييلي ليس ملزما بالأمانة التاريخية لكن هل كان رفاق السبعينات يحبون الأغنية الشعبية؟
إن فصل التعبير في كتاب “الأيديولوجية العربية المعاصرة” للعروي يقول شيئا آخر. في بداية السبعينات كان الرفاق يشمئزون ويزدرون الفولكلور والناس الذين يمارسونه، يعتبرونه مظهرا رجعيا وتجهيلا تمارسه السلطة تجاه الشعب. وتعمل على ترسيخه كما في سهرة الأسبوع التلفزيونية.
ردا على هذه التعليقات كتب المخرج الجواهري:
جميل أن تتم قراءة المتن السينمائي الفيلمي المغربي، لكن الأجمل أن تتم قراءته بلغة نقدية واعية وليس بلغة إنشائية عامة عائمة، لغة خشبية منفصمة الهوية، تنتصر للتصنيفات والخانات والانطباعات المتوترة الفارغة، والأحكام المسبقة الانتقامية.. خاصة إذا كان القارئ “الناقد” جرب الإخراج مرة وفشل فيه فشلا ذريعا من خلال فيلم وثائقي، عفوا روبورتاج، مدفوع الثمن، فيه الكثير من المداهنة وإنزال السروال، فغير المهنة نحو مهنة الضرب من تحت الحزام، وفتح صندوق الباندورا المليء بالشر الفكري والعنف اللفظي، وقبلهما بالأحكام المسبقة المبنية على تصفية الحسابات، خدمة لجهات متوارية للخلف، جهات لفظت أنفاسها السينمائية ولم يتبق لها سوى قدرة تحريك الكراكيز وإشعال نار الحرب بين السينمائيين والنقاد.
بعد إعلان نتائج طنجة كتب ردا على من انتقد فيلمه بأنه من الكراكيز تحركه أيد خلفية، وخاطب كاتب هذه السطور: إنك خارج مدار النقاش القائم على وقائع لا تفهمها لأنها أكبر من فهمك البريء، الفهم الغارق في محاكمة ما وقع بمنطق مباشر فج، وهو منطق خارج سياق الأحداث. لأن ما وقع يحتكم لمنطق سوريالي يحركه أناس لا يمكنك أن تراهم بواقعيتك المباشرة ورؤيتك القاصرة لفهم ما يجري من غرائب الأمور. دعك في الكتابة الانطباعية المباشرة، واترك لمن يفهم ما يقع في الخفاء ليقف في وجه الردة والإسفاف.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=4045