نبيل المؤذن**ليس المقصود بالعنوان ان مدينة اسفي بنك للكنوز من الصفائح الذهبية او مغارة للأثريات و التحف النادرة، بل ان ثرات المدينة في حد ذاته يشكل كنزا خاما و ثروة كبيرة للمدينة و ساكنتها و هي ثروة لم يتم استغلالها او البحث فيها بالشكل العلمي و الايكولوجي الدقيق.
يأتي الموضوع الذي نحن بصدد تناوله هنا بدافع غياب مراجع او مخطوطات تؤرخ لمرحلة المدينة القديم، و أيضا لصعوبات مرتبطة بالبحث الايكولوجي و الحفريات نظرا لتطلبهما لإمكانيات مادية جد باهظة ، و في ظل هذا الغياب يمكننا الانفتاح على موضوع الاسطورة و الخيال كحلين لهذه الامور المجهولة حتى اشعار آخر، ولعل المقولة الشهيرة و القائلة ” من يعرف الاساطير يعرف كل شيء” كانت بليغة المعنى، فالأسطورة هنا لا يمكن النظر اليها كمصدر مبتذل غير ذي قيمة، بل على العكس من ذلك فهي تكتسي أهمية كبيرة لتحكمها في عقول الكثير من الناس، و هي المنفذ لأشياء كثيرة خصوصا في حالة العجز عن تفسير بعض الامور.
في هذه المحاولة المقالية سنتناول بعضا من الاساطير المرتبطة بعدة محاولات جغرافية بيئية اجتماعية و ثقافية خاصة بمدينة آسفي، التي تعتبر من “أقدس” مناطق المغرب و أقدمها، فالمؤرخ سيلاكس الذي عاش في القرن 5 ق م أقر بوجود حياة دينية مكثفة و على أن المنطقة أقدس مكان بجنوب افريقيا لتواجد معبد قديم و عظيم بها خاص بالاله “بصيدون” ( المتعارف عليه الان بسيدي بوزيد)، و هو اله البحر عند اليونان. ولعل أبرز موروث انثروبولوجي قديم هو ذلك المرتبط بتقدس الموتى عند الامازيغ المتواجدين بالمدينة و الذين اعتبروا أن أرواح الأسلاف (الموتى) هي بمثابة آلهة يقيمون فيها و يستشيرونها في أمورهم ثم ينامون بجانبها ليجدوا أجوبة على شكل أحلام، وهذا هو سبب تقديسهم لقبور الأولياء ، و يعرف الولي او القديس عند الامازيغ في أيامنا ” بالمرابط” ، وهو الاسم الذي اقتبس الغرب و حوره الى لغته تحت مسمى “marabout”، كما ان هذا التقديس طال بعض الاشخاص و المناطق لتسبق لازمة “سيدي” و “لالا” اساميهم.
و بالرجوع الى الاساطير المتداولة بالمنطقة نجد ان طقوس الدفن لها امتداد في التاريخ القديم خصوصا و انها مرتبطة بتقديم القرابين للموتى مثل الماء و الطعام و قارورات العطر و ايضا اقامة موائد جنائزية للميت، و غالبا ما يتم تقديم هذا الطعام في المقبرة و أيضا يتم صب الماء على القبور لاعتقاد الناس ان ذلك يرطب هذه القبور لحمايتها من الارواح الشريرة التي تخرج من اجل الحصول على الطعام و الشراب …مثل هذه الطقوس لا يمكن القول انها تلاشت مع مرور الوقت و تقدم مسارات الحياة و سنينها بل على العكس هذه الاساطير لازالت تكل معتقدا لا واعيا يتحكم في سلوكات الناس و عاداتهم و تقاليدهم، حتى لو لم يعرفوا الاصول التاريخية لهذه الطقوس .
اضافة الى طقوس الدفن في الاساطير المحلية هناك اساطير اخرى مرتبطة بالخصوبة و الولادة و الزواج كتلك التي نسجت حول “لالا ميرة” التي تعتبر اسما للزهرة عند الرومان mary ، و التي اعتبروها الهة للبحر ليلقوا عليها فيما بعد “سيلاماري” اي ” كوكب البحر”، علما ان البحر في اللاتينية و اللغات المشتقة منها هو “mare” ،”mary”، “mer”،”marie”، و في الهند “maya”… و الملاحظ انها جميعها مسميات تبدا بحرف ” m” ،كما ان للفظ ارتباط بمريم العذراء او ماري “saint mary”، و يطلق اللفظ على معبودات الخصب، وهنا يمكن الاشارة الى ارتباط حرف الميم السالف الذكر بالأمومة و منه بداية ظهور كلمات من قبيل “ماما” ، ايمي” و “امي”…
ان الطقوس المرتبطة بعين “لالا ميرة” توحي بان النساء اذ يغتسلن في هذا الماء المقدس” يعتقدن ان نسبة الخصوبة عندهن ترتفع و الاقبال على زواجهن قادم لا محال، لهذا يتركن بعضا من ملابسهن معلقات على اغصان الاشجار و خصوصا يوم الاربعاء …
اضافة الى الطقوس المرتبطة باسطورتي الدفن و زيارة المقابر و ايضا اسطورة لالا ميرة يمكن ايراد اساطير من قبيل اساطير: “سيدي دانيال”، “سيدي شاشكال”، لالا فاطنة”، “سيدي كانون”، و سنتحدث عنها في مقالات لاحقة .
ان الحديث ،كما سبق القول ، عن هذه الاساطير لا يمكن ادراجه ضمن ما هو خرافي لا قيمة له بل ان هذه الاساطير و غيرها شانها شان الاحلام الممكن التعامل معها واقعيا، علما ان هناك احلاما كثيرة اصبحت واقعا معيشيا ، لهذا يمكن ان تكون عين لالا ميرة نموذجا لابد ان يحضى بالعناية اللازمة من قبل الناس ، فهي ان فشلت في تحقيق خصوبة الناس يمكنها ،على الاقل ، ان تعطي الخصوبة للغطاء النباتي بالمنطقة طيلة السنة، فحسن استغلال مياهها يمكنه ان يعود بالنفع على المساحات الخضراء بالمنطقة إذا ما تجنبنا ضياعها كما هو الحال الان.
المصدر : https://www.safinow.com/?p=5779