بقلم ذ مصطفى حمزة // دعما للدعوة إلى تصنيف آسفي تراثا عالميا **عاصمة إقليم عبدة آسفي مدينة الخزف بامتياز
ما الذي يجمع بين تحف خزفية ناطقة بالحيوية ونابضة بالحياة وفي كثير من الأحيان تكون مستلهمة لمستقبل باسم ، ومآثر عمرانية وحضارية تسمح بسبر أغوار تاريخ مدينة ضمن سياقات متعددة… إنه الإبداع الفني البشري. لا يخلو فضاء من فضاءات آسفي ، حاضرة المحيط ، من هذا الإبداع الفني البشري، « فكلما زرت آسفي إلا وتراءى لي هذا الإبداع ، مجسدا في مجموعة من المآثر العمرانية والحضارية التي تضفي على المدينة مسحة جمالية ، تزيدها رونقا انعكاسات أشعة الشمس الملفوفة بزرقة مياه المحيط » ـ يقول أحمد أحد العاشقين لحاضرة إقليم آسفي.
فالأسوار ـ يضيف أحمد ـ « التي تنطق المدينة القديمة ، ودار السلطان ، والكنيسة البرتغالية ، وقصر البحر، وبنايات المدينة القديمة… كلها لوحات فنية تسمح لمشاهدها بقراءة تاريخ المدينة ، والتأمل فيما شيدته السواعد المغربية من بنايات ، وما أضفته عليها الأنامل من زخارف تزيينية تسر الناظرين ». اللحظات الجميلة التي أقضيها سيرا على الأقدام بباب الشعبة قبل أن أصل إلى تل الخزف ، ـ تقول مريم، شابة في ربيعها الخامس والعشرين ، تحمل زادا فكريا يزاوج بين الثقافتين العربية والغربية ـ « كثيرا ما تحقن جسدي المنهك بجرعات منشطة ، تتحول معها الصور المختزنة في ذاكرتي عن العديد من المدن العتيقة التي زرتها ، إلى شريط سينمائي أنعم بمشاهدته وأنا أمشي الهوينى ، أقرأ في وجوه البشر أوصاف أهل البلد ». وأهل آسفي « لطف خفي ، ووعد وفي ، الدماثة والجمال ، والصبر والاحتمال ، والزهد والمال…». حسب ابن الخطيب.
مريم لم تستوقفها فقط أوصاف أهل البلد ، بل ما تضفيه السلع المعروضة بالدكاكين المبثوثة يمينا ويسارا على شارع باب الشعبة ، من مشاهد بانورامية تداخلت في نسجها ألوان السلع ، والطرق التي عرضها بها تجار مبدعون وفنانون. « لقد استمتعت بمشاهدة لوحة فنية جميلة وأنا أجوب شارع باب الشعبة من بدايته إلى نهايته ، والجميل أنني كنت من ضمن الشخوص والأشياء التي أتتها » قالت مريم بانتشاء كبير وهي تعبر باب الشعبة رفقة صديقتها الفرنسية ذات الثلاثين ربيعا ، في اتجاه تل الخزف.
وقبل أن تطأ قدماهما تل الخزف ، قالت ” كريستين ” بفرنسة ذات لكنة باريسية « الأشياء الجميلة دائما تقود إلى ما هو أجمل منها » في إشارة إلى القطع الخزفية التي تتميز بأشكالها الهندسية المتميزة وألوانها المتناسقة المعروضة للبيع بتل الخزف.
القطع الخزفية التي تحدثت عنها ” كريستين ” بعين العاشق لكل ما هو جميل ، والمعروضة للبيع بكل من حي باب الشعبة ، وتل الخزف ، والقرية النموذجية لسيدي عبد الرحمان ، وغيرها من الأماكن ، ـ يقول عبد العزيز ، أحد الباحثين في هذا المجال ـ « تشكل نتاجا لعلاقة حميمية تجمع بين أنامل فنانين مبدعين ، مهووسين بالمداعبة حتى النخاع ، ورهيفي الإحساس وكأنهم شعراء عذريون ، ومادة الطين الكثيرة الحساسية والتي تتطلب التعامل معها برفق ودعة ورأفة على حد تعبير الشاعر الفارسي عمر الخيام ».
كم مرة ـ يضيف عزيز ـ « أجدني داخل ورشة ، تائها بين مجموعة تحف خزفية ، تبهر بجمالية أشكالها الهندسية المتميزة ، ونغمات ألوانها المتناسقة ، ويزداد انبهاري عندما أجد الفنان الحرفي ، في حضرته الصوفية ( حضرة الفخار أثناء عملية الإبداع ) ».
لحظات الحضرة الصوفية بالنسبة للفنانين الحرفيين ، هي لحظات توحد كلي مع موضوعاتهم التشكيلية الإبداعية ، ولحظات انقطاع شبه كلي مع العالم الخارجي ، لحظات يتحول فيها الفنان إلى مادة دسمة لباقي المبدعين والفنانين الآخرين بمن فيهم المهتم بفن التصوير الفوتوغرافي ، والروائي… « تعجبني طريقة جلوسه ، وانهماكه الكلي في حوار وجداني مع معشوقته ، حوار تترجمه تلك النظرات التي يلقيها بين الفينة والأخرى على فاتنة ( تحفة ) جاءته على استحياء مفعمة بكبرياء وشموخ العفيفات » يقول عزيز المغرم بقراءة الألوان ، والشغوف بفك رموز الأشكال الهندسية.
قدسية المكان ، وانشغال أهله بصلواتهم الخاصة ، عادة ما تدفع المتعففين إلى تأجيل أسئلتهم والانصراف بهدوء كي لا يفسدوا على فنان مبدع لحظة معانقته الطين من أجل أن يجعل منه تحفة فنية ناطقة حية بمظاهر الإبداع الجميل في ثناياها ، تبهر العاشقين وتسر الناظرين. علاقة الفنان الحرفي الآسفي بتحفه ، هي امتداد لعلاقة مدينة آسفي بصناعة الفخار وتطورها عبر حقب تاريخية متباينة ، كما تؤكد ذلك الدراسات التي تناولت تاريخ صناعة الفخار بآسفي.
يجمع العديد من الباحثين على أن علاقة مدينة آسفي بصناعة الفخار تعود إلى الفترة الفينيقية ، وأن نقطة انطلاقها كانت هي وادي الشعبة ( تل الفخارين حاليا ) على يد مجموعة من الصيادين وفي مرحلة لاحقة الفخارين الأولين. وإذا كانت المنتوجات الأولى قد اكتست طابعا بسيطا التصق بالحياة اليومية للإنسان وتقاليده وعاداته ، فإن ما نشاهده اليوم من منتوجات ـ يقول أحد الباحثين ـ « له علاقة بعملية التطور والتجديد والخبرات التي راكمها الفنانون الحرفيون بفعل انفتاحهم وقدرتهم على استيعاب التطورات التي عرفتها البشرية ». وهكذا ساهمت عملية التطور في اتخاذ صناعة الخزف بآسفي لـ « مميزاتها الخاصة وطابعها المحلي المتميز باللون الأزرق أو ما يعرف ب ( أزرق آسفي ) على سطح أبيض الذي وصلها من إنجلترا » يقول الأستاذ التهامي الوزاني .
غير أن أهم تحول ستعرفه صناعة الخزف بآسفي ، سيكون مع قدوم بعض الخزفيين من فاس عبر فترات تاريخية متباينة ، تمتد من أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ، منهم الحاج عبد السلام لنكاسي ، وعبد السلام بن عبد الخالق الغازي ، وعبد الواحد بن مخلوف ، ومحمد بن المساوي،وعائلات ابن جلون والسرغيني ولغريسي… هؤلاء الأعلام وغيرهم من الخزفيين الحاليين… « سأستحضرهم وأستحضر حضرتهم الصوفية في محارب الخلق والإبداع والابتكار من أجل متعتنا ومؤانستنا ، كلما ألقيت نظرة على هذه التحف الجميلة » قالت ” كريستين ” بنشوة المكتشف. وأثناء وضعها لمقتنياتها الثمينة بصندوق سيارتها ، بمساعدة مريم ، كانت تدلي بشهادة صدق في حق هذه المدينة الجميلة « كنت في كثير من الأحيان أعتبر مدينة آسفي منطقة عبور نحو أكادير أو مراكش… لكن بعدما تعرفت اليوم على تاريخها العريق والمعتق بحركية البحر ، والمتيم ببركة الأولياء والزوايا ، والمرصع بشواهد من حقب تاريخية متعددة ، فأنا سأضطر الليلة للمبيت بآسفي من أجل التمتع غدا بمعالمها التاريخية ، كما تمتعت اليوم بمعالم خزفها ».
كميات التحف الفنية التي اقتنتها مريم و” كريستين ” والعديد من زوار تل الخزف وحي الشعبة وقرية سيدي عبد الرحمان… برهنت على أن آسفي بحق مدينة الخزف بامتياز في المغرب.
بقلم ذ مصطفى حمزة
ما الذي يجمع بين تحف خزفية ناطقة بالحيوية ونابضة بالحياة وفي كثير من الأحيان تكون مستلهمة لمستقبل باسم ، ومآثر عمرانية وحضارية تسمح بسبر أغوار تاريخ مدينة ضمن سياقات متعددة… إنه الإبداع الفني البشري. لا يخلو فضاء من فضاءات آسفي ، حاضرة المحيط ، من هذا الإبداع الفني البشري، « فكلما زرت آسفي إلا وتراءى لي هذا الإبداع ، مجسدا في مجموعة من المآثر العمرانية والحضارية التي تضفي على المدينة مسحة جمالية ، تزيدها رونقا انعكاسات أشعة الشمس الملفوفة بزرقة مياه المحيط » ـ يقول أحمد أحد العاشقين لحاضرة إقليم آسفي.
فالأسوار ـ يضيف أحمد ـ « التي تنطق المدينة القديمة ، ودار السلطان ، والكنيسة البرتغالية ، وقصر البحر، وبنايات المدينة القديمة… كلها لوحات فنية تسمح لمشاهدها بقراءة تاريخ المدينة ، والتأمل فيما شيدته السواعد المغربية من بنايات ، وما أضفته عليها الأنامل من زخارف تزيينية تسر الناظرين ». اللحظات الجميلة التي أقضيها سيرا على الأقدام بباب الشعبة قبل أن أصل إلى تل الخزف ، ـ تقول مريم، شابة في ربيعها الخامس والعشرين ، تحمل زادا فكريا يزاوج بين الثقافتين العربية والغربية ـ « كثيرا ما تحقن جسدي المنهك بجرعات منشطة ، تتحول معها الصور المختزنة في ذاكرتي عن العديد من المدن العتيقة التي زرتها ، إلى شريط سينمائي أنعم بمشاهدته وأنا أمشي الهوينى ، أقرأ في وجوه البشر أوصاف أهل البلد ». وأهل آسفي « لطف خفي ، ووعد وفي ، الدماثة والجمال ، والصبر والاحتمال ، والزهد والمال…». حسب ابن الخطيب.
مريم لم تستوقفها فقط أوصاف أهل البلد ، بل ما تضفيه السلع المعروضة بالدكاكين المبثوثة يمينا ويسارا على شارع باب الشعبة ، من مشاهد بانورامية تداخلت في نسجها ألوان السلع ، والطرق التي عرضها بها تجار مبدعون وفنانون. « لقد استمتعت بمشاهدة لوحة فنية جميلة وأنا أجوب شارع باب الشعبة من بدايته إلى نهايته ، والجميل أنني كنت من ضمن الشخوص والأشياء التي أتتها » قالت مريم بانتشاء كبير وهي تعبر باب الشعبة رفقة صديقتها الفرنسية ذات الثلاثين ربيعا ، في اتجاه تل الخزف.
وقبل أن تطأ قدماهما تل الخزف ، قالت ” كريستين ” بفرنسة ذات لكنة باريسية « الأشياء الجميلة دائما تقود إلى ما هو أجمل منها » في إشارة إلى القطع الخزفية التي تتميز بأشكالها الهندسية المتميزة وألوانها المتناسقة المعروضة للبيع بتل الخزف.
القطع الخزفية التي تحدثت عنها ” كريستين ” بعين العاشق لكل ما هو جميل ، والمعروضة للبيع بكل من حي باب الشعبة ، وتل الخزف ، والقرية النموذجية لسيدي عبد الرحمان ، وغيرها من الأماكن ، ـ يقول عبد العزيز ، أحد الباحثين في هذا المجال ـ « تشكل نتاجا لعلاقة حميمية تجمع بين أنامل فنانين مبدعين ، مهووسين بالمداعبة حتى النخاع ، ورهيفي الإحساس وكأنهم شعراء عذريون ، ومادة الطين الكثيرة الحساسية والتي تتطلب التعامل معها برفق ودعة ورأفة على حد تعبير الشاعر الفارسي عمر الخيام ».
كم مرة ـ يضيف عزيز ـ « أجدني داخل ورشة ، تائها بين مجموعة تحف خزفية ، تبهر بجمالية أشكالها الهندسية المتميزة ، ونغمات ألوانها المتناسقة ، ويزداد انبهاري عندما أجد الفنان الحرفي ، في حضرته الصوفية ( حضرة الفخار أثناء عملية الإبداع ) ».
لحظات الحضرة الصوفية بالنسبة للفنانين الحرفيين ، هي لحظات توحد كلي مع موضوعاتهم التشكيلية الإبداعية ، ولحظات انقطاع شبه كلي مع العالم الخارجي ، لحظات يتحول فيها الفنان إلى مادة دسمة لباقي المبدعين والفنانين الآخرين بمن فيهم المهتم بفن التصوير الفوتوغرافي ، والروائي… « تعجبني طريقة جلوسه ، وانهماكه الكلي في حوار وجداني مع معشوقته ، حوار تترجمه تلك النظرات التي يلقيها بين الفينة والأخرى على فاتنة ( تحفة ) جاءته على استحياء مفعمة بكبرياء وشموخ العفيفات » يقول عزيز المغرم بقراءة الألوان ، والشغوف بفك رموز الأشكال الهندسية.
قدسية المكان ، وانشغال أهله بصلواتهم الخاصة ، عادة ما تدفع المتعففين إلى تأجيل أسئلتهم والانصراف بهدوء كي لا يفسدوا على فنان مبدع لحظة معانقته الطين من أجل أن يجعل منه تحفة فنية ناطقة حية بمظاهر الإبداع الجميل في ثناياها ، تبهر العاشقين وتسر الناظرين. علاقة الفنان الحرفي الآسفي بتحفه ، هي امتداد لعلاقة مدينة آسفي بصناعة الفخار وتطورها عبر حقب تاريخية متباينة ، كما تؤكد ذلك الدراسات التي تناولت تاريخ صناعة الفخار بآسفي.
يجمع العديد من الباحثين على أن علاقة مدينة آسفي بصناعة الفخار تعود إلى الفترة الفينيقية ، وأن نقطة انطلاقها كانت هي وادي الشعبة ( تل الفخارين حاليا ) على يد مجموعة من الصيادين وفي مرحلة لاحقة الفخارين الأولين. وإذا كانت المنتوجات الأولى قد اكتست طابعا بسيطا التصق بالحياة اليومية للإنسان وتقاليده وعاداته ، فإن ما نشاهده اليوم من منتوجات ـ يقول أحد الباحثين ـ « له علاقة بعملية التطور والتجديد والخبرات التي راكمها الفنانون الحرفيون بفعل انفتاحهم وقدرتهم على استيعاب التطورات التي عرفتها البشرية ». وهكذا ساهمت عملية التطور في اتخاذ صناعة الخزف بآسفي لـ « مميزاتها الخاصة وطابعها المحلي المتميز باللون الأزرق أو ما يعرف ب ( أزرق آسفي ) على سطح أبيض الذي وصلها من إنجلترا » يقول الأستاذ التهامي الوزاني .
غير أن أهم تحول ستعرفه صناعة الخزف بآسفي ، سيكون مع قدوم بعض الخزفيين من فاس عبر فترات تاريخية متباينة ، تمتد من أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ، إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ، منهم الحاج عبد السلام لنكاسي ، وعبد السلام بن عبد الخالق الغازي ، وعبد الواحد بن مخلوف ، ومحمد بن المساوي،وعائلات ابن جلون والسرغيني ولغريسي… هؤلاء الأعلام وغيرهم من الخزفيين الحاليين… « سأستحضرهم وأستحضر حضرتهم الصوفية في محارب الخلق والإبداع والابتكار من أجل متعتنا ومؤانستنا ، كلما ألقيت نظرة على هذه التحف الجميلة » قالت ” كريستين ” بنشوة المكتشف. وأثناء وضعها لمقتنياتها الثمينة بصندوق سيارتها ، بمساعدة مريم ، كانت تدلي بشهادة صدق في حق هذه المدينة الجميلة « كنت في كثير من الأحيان أعتبر مدينة آسفي منطقة عبور نحو أكادير أو مراكش… لكن بعدما تعرفت اليوم على تاريخها العريق والمعتق بحركية البحر ، والمتيم ببركة الأولياء والزوايا ، والمرصع بشواهد من حقب تاريخية متعددة ، فأنا سأضطر الليلة للمبيت بآسفي من أجل التمتع غدا بمعالمها التاريخية ، كما تمتعت اليوم بمعالم خزفها ».
كميات التحف الفنية التي اقتنتها مريم و” كريستين ” والعديد من زوار تل الخزف وحي الشعبة وقرية سيدي عبد الرحمان… برهنت على أن آسفي بحق مدينة الخزف بامتياز في المغرب.
بقلم ذ مصطفى حمزة
المصدر : https://www.safinow.com/?p=7335