حوار مع محمد ناصري أخصائي نفسي حول الآثار النفسية وآليات التدبير في زمن كورونا…

حوار مع محمد ناصري أخصائي نفسي حول الآثار النفسية وآليات التدبير في زمن كورونا…

2020-04-06T20:24:59+01:00
صحة
5 أبريل 2020آخر تحديث : الإثنين 6 أبريل 2020 - 8:24 مساءً
IMG 20200405 WA0014 - حاورته غالية الشرقاوي**منذ بداية تفشي فيروس كورونا في العالم،إزدادت حالات القلق والخوف بين الناس خاصة الأطفال ومن يعانون من الوسواس القهري.
لمعرفة كيفية مواجهة هذا “القلق الجماعي” في ظل انتشار الأخبار الزائفة؛ كان لنا حوار مع”محمد ناصيري”أخصائي نفسي ممارس بمستشفى الرازي للطب النفسي بسلا وباحث في علم النفس.

بداية، أخبرنا عن الأثر النفسي للأخبار الزائفة والإشاعات على نفسية المواطن؟
الأكيد أن الوضع الوبائي الراهن الذي يعيشه المغرب غير معزول عن بقية دول العالم، هذا الوضع بات منذ مدة يتصدر قائمة المواضيع التي تشغل بال جميع مواطني العالم بما فيهم المواطن المغربي، فبين المعلومات الطبية والتعليمات الوقائية والإجراءات الاحترازية… اختلطت الأمور وشكلت مصدرا خصبا للأخبار الزائفة والإشاعات المضللة. والأكيد أن لكل هذه المعطيات آثار على نفسية المواطن؛ ذلك أنها ساهمت في الرفع من منسوب الخوف لدى عموم الناس، والذي تحول لدى البعض إلى قلق مرضي وفزع يتجدد كلما ظهرت في الأفق أخبار زائفة أو معطيات مغلوطة وغير موثوقة هنا أوهناك. فحصل لدى الكثيرين تضارب انفعالي أثر سلبا على وظائفهم الحيوية والمعرفية وساهم في تعطيل أنشطتهم اليومية، وفي التقليل من فعاليتهم الذاتية l’efficacité personnelle.
ما هي أهم السبل والتدابير التي يجب اتخاذها من الناحية النفسية حتى تمر هذه المرحلة بسلام؟
قبل أن أجيب عن هذا السؤال لا بد أن أقر بأننا نفتقد لثقافة التعامل مع الأوبئة والتغيرات الطارئة وغير المتوقعة، وبالتالي فما نعاينه اليوم من عدم انضباط لبعض المواطنين لإجراءات الوقاية خاصة، وبعض مظاهر التلقائية في التعاطي مع الأزمة بشكل عام ما هي إلا تمظهرات لغياب هذه الثقافة التي تسائلنا جميعا اليوم.
أعود لسؤالك لأقول أنه من الطبيعي أن تحدث جائحة كورونا (كوفيد 19)، شأنها شأن باقي أنواع الأوبئة والكوارث التي يشهدها العالم آثارا نفسية تنضاف لآثارها ومخلفاتها الأخرى، مما يتطلب أولا التعاطي مع هذا المعطى بنوع من الاستعداد القبلي من جهة، ثم اتخاذ إجراءات تدبيرية لهذه الظرفية الاستثنائية من جهة أخرى. ويمكن أن أعرض للبعض من هذه الإجراءات التي أراها من وجهة نظري بمثابة تدابير تتطلب الانخراط الجماعي والمساهمة المشتركة لجميع الأفراد حتى تأتي نتائجها المرغوبة.
الإلتزام التام بقواعد الحجر الصحي وتتبع سبل الوقاية، إذ بات الجميع اليوم يقر بفعالية هذه الإجراءات في الحد من تفشي العدوى، في أفق احتواء الوباء. وهو ما يعني بالضرورة التقليص من التهويل ومن المخاوف الناتجة عن الوضعية الوبائية عموما؛
الإبتعاد عن منطق تهويل الأحداث وتضخيم الوقائع من خلال الامتناع عن بث أو مشاركة أو متابعة أخبار أو فيديوهات كاذبة أو مضللة للأحداث المتصلة بالوباء وبالحجر الصحي والاكتفاء بتتبع الحالة الوبائية (إن اقتضى الأمر ذلك) عبر منصات موثوقة؛
الإبتعاد ما أمكن عن قنوات التواصل الاجتماعي، خصوصا في الظرفية الراهنة وبالأخص بالنسبة للمواطنين ذوي هشاشة نفسية، إذ من المفترض أن تشكل هذه الفضاءات عاملا محفزا لظهور انفعالات الخوف الزائد والقلق المستديم، وذلك بالنظر لما تحتويه من وقائع (منشورات، فيديوهات…) غير قابلة للضبط وصعبة التصفية Le filtrage أحيانا؛
محاولة جعل الظرفية الوبائية وما نتج عنها من واقع الحجر الصحي فرصة مواتية للرجوع إلى الذات وتعميق التواصل معها، وذلك عبر التركيز على الحاضر المعيش وتجنب الوقوع في مخاوف المستقبل؛ ومن شأن ذلك أن يساعد الفرد على التدبير المتواصل لمشاعره والسيطرة على أفكاره.
اعتماد برنامج يومي واضح المعالم، وموزع بشكل دقيق يجمع بين الاهتمام بالأنشطة المتصلة بالعمل، ثم الاهتمامات الشخصية (هوايات، رياضة، أنشطة فنية)، فضلا عن الاهتمامات والتواصلات العائلية (حوارات هادفة، ألعاب جماعية، أنشطة مشتركة…)؛ إذ من شأن ذلك أن يساعد الفرد على الرفع من نجاعته السلوكية l’efficacité comportementale وتحسين جودتها، مما يجعل منه إنسانا منتجا ومستمتعا في ذات الآن.
التكثيف من الأنشطة والممارسات المشتركة partagées مع أفراد المحيط القريب، وجعل هاته الظرفية فرصة للتقرب من الشريك (الزوج أو الزوجة) ومن الأطفال والأولياء (الأب والأم)، وذلك عبر تقاسم الاهتمامات والمشاغل (الطبخ، التنظيف، العناية بالأطفال…) وتعميق التواصلات، ثم عبر الانخراط في كل ما من شأنه إثارة مشاعر المتعة والضحك الجماعيين، والابتعاد عن كل ما يمكنه إثارة المناوشات وتوليد الضغوطات.
كيف يمكن التعامل مع نفسية الطفل خلال هذه الفترة؟
إن كل محاولة للتعامل مع نفسية الطفل خلال هذه الفترة من دون السعي أولا إلى تمليكه المعلومة الصحيحة والواضحة بشأن هذه الظرفية الوبائية يبقى في نظري من دون جدوى. بمعنى أنه يتعين على الآباء والأقارب تزويد أطفالهم بالشروحات اللازمة وبالمعلومات المتناسبة مع مرحلتهم العمرية، ومن تم ابتكار وسائل بيداغوجية مبسطة لحثهم على الاقتناع بفكرة المكوث في البيت والتزام قواعد النظافة الشخصية والسلامة الصحية، وفق منطق يبتعد عن التهويل لكنه يقترب من الواقعية، ويعتمد على توحيد المعطيات (أن لا يكون هناك تناقض في المعلومات التي يقدمها أفراد الأسرة للأطفال). بعد هاته المرحلة يجب أن يسعى أفراد الأسرة إلى إبعاد الطفل عن مصادر الأخبار والمعلومات ودفعه إلى التركيز على الاستمرار في نشاطه الدراسي ومشاركته إياه باستمرار، وذلك وفق جدول زمني مضبوط يجمع بين الراحة الكافية والنوم المنتظم والتغذية المتوازنة، ثم الأنشطة المدرسية والهوايات الجانبية (الرسم، الغناء، المطالعة، قراءة القرآن…)، وأخيرا الألعاب الفردية والجماعية والأنشطة الحسية الحركية التي من شأنها أن تشعر الطفل بالمتعة وأن تقوي أنشطته المعرفية في نفس الوقت. وينضاف إلى كل ذلك مبدأ إشراك الطفل في الاهتمامات المشتركة لأفراد الأسرة (الحوارات، مشاهدة فيلم، المساعدة في الطبخ وفي التنظيف.. إلخ).
أشير إلى أن كل ما ذكرت يبقى مجرد أساليب مبتكرة وغير محصورة، ومن شأنها أن تساعد الأسر على التعامل مع الطفل بشكل يقلل من مخاوفه ويملأ فراغه وينمي كفاءاته.
كيف يمكن لمن يعانون من الوسواس القهري تجاوز أو التخفيف من نوبات القلق والهلع التي تصيبهم بسبب كورونا؟
كل ما ذكرته سابقا بخصوص الإجراءات الوقائية التي من شأنها المساعدة على التدبير الصحيح للوضعية الاستثنائية التي نعيشها في الوقت الحالي ينسحب كذلك على الخص الذي يعاني من اضطراب الوسواس القهري، لكن الأمر قد يحتاج في نظري لبعض التأكيدات أعبر عنها من خلال النقاط الثلاثة التالية:
بالرغم من أن جميع أنواع الوساوس القهرية من المنتظر أن تجعل المصابين بها أكثر حساسية في هاته الفترة، وذلك بالنظر لما يطبع المصاب من توجس دائم وأفكار استباقية، قد تساهم الأحداث الراهنة والأخبار اليومية (خصوصا المبالغ فيها) في استثارتها بشكل مفرط في ذهن المصاب الشيء الذي من الممكن أن يثير لديه هيجانا ذهنيا زائدا ينعكس في سلوكات تكرارية وقهرية، على الرغم من ذلك إلا أنه في نظري قد يكون المصاب بهوس النظافة (نوع من أنواع الوسواس القهري) هو الأكثر حساسية في علاقة باللحظة الراهنة التي نعيشها.
ينبغي إبعاد المصاب بهذا الاضطراب بشكل كلي عن مصادر الأخبار، ومن الأفضل تكليف فرد واحد ليشكل مصدرا يزوده بالمعلومات المتعلقة بالوضعية الوبائية في حالة طلبها. الأمر هذا يقتضي في ذات الآن من جهة أولى تفهما تاما لكافة الأفراد المحيطين بالفرد المصاب لحالته وما يمكن أن يترتب عنها من سلوكات قد تشكل أحيانا تضييقا عليهم أو حرجا لهم خصوصا في الظرفية الراهنة، ومن جهة ثانية محاولة هؤلاء جعل الأمور تبدوا عادية من داخل الفضاء المنزلي، وذلك عبر الاهتداء إلى بعض من الإجراءات العامة التي سبق وأشرت لها والتي تسعى في مجملها إلى محاربة الفراغ وتجنب كل ما من شأنه إثارة المخاوف، واللجوء إلى الأنشطة المشتركة والاهتمامات التي تثير مشاعر المحبة والآخاء والمتعة.
إذا كان المصاب يتتبع وصفة طبية فمن الضروري الإلتزام بها والحرص على تقديمها في وقتها، مع الانضباط التام لتعليمات الطبيب المعالج ولتوصياته. على أن يبقى التواصل معه مستمرا كلما دعت الضرورة لذلك.
في نهاية هذا الحوار أود التأكيد على أن الوضع الراهن وإن كانت له تبعات سلبية مست جميع المناحي، إلا أن له كذلك إيجابيات عديدة. وإن كان المقام لا يتسع لذكر البعض منها فهي تبقى في جميع الأحوال تابعة في مجملها للنظرة الخاصة بكل فرد على حدة. لذلك أدعو الجميع لوقفة تأمل نعمل من خلالها على استكشاف المخلفات الإيجابية لهذه الوضعية الوبائية وما أنتجته من ظروف على حياتنا اليومية ونمط معيشنا كأفراد وكجماعات.
عافانا الله وإياكم، وعجل بشفاء جميع المصابين

رابط مختصر

اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات